موردا لجريان الأصل بلا معارض كان جريانه فيه مانعا عن تنجيز العلم الاجمالي فيكون بحكم الانحلال. وهذا الانحلال الحكمي لا يكون في المتباينين، لعدم جريان الأصل في واحد منهما، لا بتائه بالمعارض، فان الأصلين في المتباينين يتساقطان للمعارضة. وهذا هو الفارق بين المقامين.
و (منها) - ما ذكره صاحب الكفاية أخذا من كلام الشيخ (ره) وهو ان الأحكام الشرعية تابعة للملاكات في متعلقاتها من المصالح والمفاسد، على ما هو الحق من مذهب العدلية، وحيث انه يجب تحصيل غرض المولى بحكم العقل، فلا مناص من الاحتياط والآتيان بالأكثر، إذ لا يعلم بحصول الغرض عند الاقتصار بالأقل لاحتمال دخل الأكثر في حصوله.
وأجاب شيخنا الأنصاري (ره) عن هذا الاشكال بجوابين: (الأول) - أن الكلام في جريان البراءة وعدمه في المقام لا يكون مبتنيا على مذهب العدلية القائلين بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، بل عام (الثاني) - ان الغرض مما لا يمكن القطع بحصوله في المقام على كل تقدير.
أما على تقدير الاتيان بالأقل فلاحتمال دخل الأكثر في حصوله.
واما على تقدير الاتيان بالأكثر فلاحتمال دخل قصد الوجه في حصوله، فلو اتينا بالزائد عن المتيقن بقصد الأمر الجزمي فهو تشريع محرم لا يحصل معه الغرض قطعا، وإن اتينا به بقصد الامر الاحتمالي، فلا يقطع معه بحصول الغرض، لاحتمال اعتبار قصد الوجه في حصوله، فإذا لا يجب علينا تحصيل القطع بتحقق الغرض، لعدم امكانه، فلا يبقي في البين إلا الحذر من العقاب وتحصيل المؤمن منه، وهو يحصل باتيان الأقل المعلوم وجوبه. وأما الأكثر فاحتمال العقاب على تركه يدفع بالأصل وقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
هذا ملخص ما افاده (ره) من الجوابين ولا يخفى ما في كليهما: