والأسباب المورثة لصحة الاستعمال المجازي، فإن تم البحث هناك ترتفع الشبهة فيما نحن فيه، وعندئذ لا مانع من خروجها من الجهة المبحوث عنها في المقام، كما لا يخفى.
وبالجملة: ظاهر العنوانين خروج المجازات من حريم النزاع، واختصاصه بالوضع، سواء كان من قبيل الحقيقة الشرعية، أو كان من قبيل الحقيقة اللغوية.
وتوهم لغوية النزاع حينئذ، لعدم صحة " الحقيقة الشرعية " في غير محله، وذلك لأن المراد من " الحقيقة الشرعية " أعم من الحاصلة بالوضع التعييني والتعيني، والثاني مما لا يكاد ينكر بالنسبة إلى طائفة من الألفاظ، كما مضى (1). ولأن كثيرا من المخترعات الشرعية، كانت سابقة بهيئاتها وموادها على الاسلام، كالصلاة والحج وأمثالهما، فهي من الحقائق اللغوية، والتصرفات اليسيرة لا تورث الاستعمال المجازي حتى يفتتح باب الحقيقة الشرعية.
ولعل إلى ذلك ترجع مقالة أبي بكر الباقلاني: " من أن الإطلاقات كانت لغوية " (2) وإلا فهي المقالة السابقة الراجعة إلى الاستعمال المجازي بالمعنى الذي ذكرناه: وهو الانتقال من المعنى المستعمل فيه إلى المراد الجدي بنصب القرينة، فإن حقيقة المجاز - وهي المعبر - هذه، كما مضى (3).
فتحصل: أننا أصبحنا وقد استغنت الشريعة عن المجاز، والاستعمال بالمصحح، والأسباب المصححة، لحصول الحقيقة الشرعية بكثرة الاستعمال، أو لكون الحقيقة من أول الأمر لغوية، فلا حاجة إلى إدراج المجازات في عنوان