وإن شئت قلت: إن هنا تكون القضية الملفوظة عين القضية الخارجية، أو تكون القضية هنا مركبة من الموضوع الخارجي الذي هو الملفوظ، والمحمول اللفظي المتحد مع الموضوع خارجا. هذا كله فيما إذا أطلق اللفظ، وأريد شخصه.
وأما فيما وراء ذلك، مما كان الموضوع غير مشمول للمحمول، كما في الأمثلة الاخر، ومنها: ما إذا أطلق اللفظ وأريد منه جنسه، كقوله: " ضرب فعل ماض " فإن المتبادر منه الانتقال من هذه اللفظة إلى المصاديق المستعملة منه في الجمل، ولا يكون المقصود ما إذا أطلق وأريد منه نفس الطبيعة النوعية، لأنها ليست فعلا ماضيا، فما هو الفعل الماضي هو المستعمل في الجمل، فعلى هذا يكون في الحقيقة استعمال، إلا أنه مجازي.
ولكنه لا بمعنى استعمال اللفظ في غير ما هو الموضوع له، بل بالمعنى الذي عرفت منا في الاستعمالات المجازية (1).
إن قلت: مجرد الانتقال إلى أمر وراء اللفظ، ليس من الاستعمال (2).
قلت: نعم، إذا أريد منه الاستعمال الحقيقي، وأما الاستعمال المجازي، فهو ليس إلا الانتقال من اللفظ إلى ما أريد به، وما هو المقصود للمتكلم حين الاستعمال، فحقيقة الاستعمال: هي الاستفادة من اللفظ لإحضار أمر ذهني، هو مقصود المتكلم ومرامه ومراده، وبهذا المعنى يمكن استعمال " البياض " في السواد وبالعكس.
فتحصل: أن كلمة " ضرب " أطلقت وأريد منها ما هو المستعمل في الجملة التصديقية، وهذا هو الاستعمال، أي الاستفادة من اللفظ لإحضار ما هو الأمر الغائب عن الناس، ويكون ذهنيا ونفسانيا.