مع أنها صورة علمية إلا أنها ليست كاشفة بالتأسيس، إلا مع الغفلة والذهول، ولذلك ذكرنا في محله: امتناع قيام البراهين - بالحمل الشائع - على الأمر الواحد (1)، كما لا يخفى.
ومن هنا يعلم ضعف ما سلكه القوم في المقام: بأن التبادر موقوف على العلم بالوضع، والعلم بالوضع موقوف على التبادر (2)، فأجيب بما أجيب، مع ما في أجوبتهم من النقوضات الكثيرة، فالعلم بالوضع لا يتوقف على التبادر، بل هو يحصل من طريق آخر، بمعنى أن إخبار المطلعين يورث العلم بأن معنى " الأسد " هو الحيوان المفترس، ثم بعد ذلك يتبادر منه ذاك، وليس منشأ هذا التبادر إلا العلم بالوضع والاعتقاد به.
وأما حديث الاجمال والتفصيل (3) فهو غير صحيح، وأحسن ما قيل في تقريره ما عن الشيخ الرئيس في نظائر المقام وهو: " أن العلم التفصيلي بأن معنى هذا ذاك - على نحو القضية الحملية - موقوف على التبادر، وهو ليس موقوفا على هذا العلم التصديقي المحتاج إلى تصور الموضوع والمحمول، بل يحصل بالعلم الارتكازي من مبادئه وعلله، كعلم الأطفال بمعاني الألفاظ ومفاد اللغات " (4) انتهى.
وأنت خبير: بأن حدود العلم التفصيلي، تابعة لمقدار انكشاف المعلوم بالعلم الاجمالي، وما في كلامه من التمثيل، دليل على أن علم الأطفال بمعاني اللغات هو العلم التصديقي، ولا يعقل ذلك إلا بعد التصور، ولا يلزم علمهم بالاصطلاح، وهو مفهوم " التصور " و " التصديق " فعلم الأطفال بمعاني اللغات، ليس إلا العلم