وأما حديث الاختلاف الاعتباري بين الدال والمدلول، فيكون ما نحن فيه من قبيل الاستعمال (1)، فهو - مضافا إلى عدم البرهان على لزومه - غير تام، للزوم الجمع بين اللحاظين المتنافيين غير القابل للارتفاع بالاعتبارين المختلفين.
ولو سلمنا عدم تقوم الاستعمال بحقيقته باللحاظ الآلي والاستقلالي، بل ذلك في نوع الاستعمالات، دون ماهيتها، فيكون الاستعمال في المقام بمعنى سببية اللفظ الموضوع لحضور الصورة المعقولة منه، ثم بعد ذلك تنطبق تلك الصورة المعقولة على الموضوع الملفوظ المحكوم عليه " بأنه لفظ " أو " ثلاثي " أو " كيف مسموع " أو غير ذلك، فلا تعدد في اللحاظ، بل التعدد يحصل بالاستعمال الإيجادي، فإنه أيضا نوع من الاستعمال، فلا نسلم كون ما نحن فيه من هذا القبيل، لشهادة الذوق السليم على خلافه.
مع أن ما ذكرناه في الحروف الإيجادية (2)، ليس من الاستعمال، فحروف النداء موضوعات لاعتبار النداء بعد الإلقاء والإيجاد، وليست مستعملات في المعاني الموجودة بها، فتأمل.
ومما يشهد على ما ذكرناه قولنا: " ديز مقلوب زيد " فإن ما ذكرناه فيه من الواضح، كالنار على المنار. هذا مع أن الاختلاف الاعتباري بين الدال والمدلول، لا يستلزم تعين كون ما صدر دالا، وهو بنفسه مدلولا، لإمكان العكس، ولا معين في البين.
فعلى ما تقرر، تكون القضية المعروفة " زيد لفظ " قضية موضوعها الموجود الخارجي، ومحمولها المعنى الكلي، بالاستعمال الحقيقي، ولا برهان على لزوم كون القضية الملفوظة حذاء القضية الخارجية.