مستقلان، لكن بين بعض الحروف وبعضها تناف وتباعد، كما في الأسماء والأفعال، فإن البيت والمسكن مختلفان متفاوتان، وكذلك سكن ومكث، ولا كذلك كل اسمين يفرض أو كل فعلين يوجد، إذا عرفت هذا فنقول: بين الباء واللام وفي مشاركة، أما الباء فإنها للإلصاق، والمتمكن في مكان ملتصق به متصل، وكذلك الفعل بالنسبة إلى الزمان، فإذا قال: سار بالنهار معناه ذهب ذهابا متصلا بالنهار، وكذا قوله تعالى: * (وبالأسحار هم يستغفرون) * أي استغفارا متصلا بالأسحار مقترنا بها، لأن الكائن فيها مقترنا بها، فإن قيل: فهل يكون بينهما في المعنى تفاوت؟ نقول: نعم، وذلك لأن من قال: قمت بالليل واستغفر بالأسحار أخبر عن الأمرين، وذلك أدل على وجود الفعل مع أول جزء من أجزاء الوقت من قوله: قمت في الليل، لأنه يستدعي احتواش الزمان بالفعل وكذلك قول القائل: أقمت ببلد كذا، لا يفيد أنه كان محاطا بالبلد، وقوله: أقمت فيها يدل على إحاطتها به، فإذن قول القائل: أقمت بالبلدة ودعوت بالأسحار، أعم من قوله: قمت فيه، لأن القائم فيه قائم به، والقائم به ليس قائما فيه من كل بد، إذا علمت هذا فقوله تعالى: * (وبالأسحار هم يستغفرون) * إشارة إلى أنهم لا يخلون وقتا عن العبادة، فإنهم بالليل لا يهجعون، ومع أول جزء من السحر يستغفرون، فيكون فيه بيان كونهم مستغفرين من غير أن يسبق منهم ذنب، لأنهم وقت الانتباه في الأسحار لم يخلو الوقت للذنب، فإن قيل: زدنا بيانا فإن من الأزمان أزمانا لا تجعل ظروفا بالباء، فلا يقال خرجت بيوم الجمعة ويقال بفي، نقول: إن كل فعل جار في زمان فهو متصل به، فالخروج يوم الجمعة متصل مقترن بذلك الزمان، ولم يستعمل خرجت بيوم الجمعة، نقول الفارق بينهما الإطلاق والتقييد، بدليل أنك إن قلت: خرجت بنهارنا وبليلة الجمعة لم يحسن، ولو قلت: خرجت بيوم سعد، وخرج هو بيوم نحس حسن، فالنهار والليل لما لم يكن فيهما خصوص وتقييد جاز استعمال الباء فيهما، فإذا قيدتهما وخصصتهما زال ذلك الجواز، ويوم الجمعة لما كان فيه خصوص لم يجز استعمال الباء، وحيث زال الخصوص بالتنكير، وقلت خرت بيوم كذا عاد الجواز، والسر فيه أن مثل يوم الجمعة، وهذه الساعة، وتلك الليلة وجد فيها أمر غير الزمان وهو خصوصيات، وخصوصية الشيء في الحقيقة أمور كثيرة غير محصورة عند العاقل على وجه التفصيل لكنها محصورة على الإجمال، مثاله إذا قلت هذا الرجل فالعام فيه هو الرجل، ثم إنك لو قلت الرجل الطويل، ما كان يصير مخصصا، لكنه يقرب من الخصوص، ويخرج من القصار، فإن قلت العالم لم يصر مخصصا لكنه يخرج عن الجهال، فإذا قلت الزاهد فكذلك، فإذا قلت ابن عمرو خرج عن أبناء زيد وبكر وخالد وغيرهم، فإذا قلت هذا يتناول تلك المخصصات التي بأجمعها لا تجتمع إلا في ذلك، فإذن الزمان المتعين فيه أمور غير الزمان، والفعل حدث مقترن بزمان لا ناشئ عن الزمان، وأما في فصحيح، لأن ما حصل في العام فهو في الخاص، لأن العام أمر داخل في الخاص، وأما في فيدخل في الذي فيه الشيء، فصح أن يقال: في يوم الجمعة، وفي
(٢٠٤)