سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40) * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (البقرة: 194).
وأما المعقول: فهو أن المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن الاهدار. قال تعالى: * (ولكم في القصاص حياة) * (البقرة: 179) وإذا كان المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن الاهدار، والاهدار من المثقل كهو في المحدد كانت الحاجة إلى شرع الزاجر في إحدى الصورتين كالحاجة إليه في الصورة الأخرى، ولا تفاوت بين الصورتين في نفس الاهدار، إنما التفاوت حاصل في آلة الاهدار، والعلم الضروري حاصل بأن ذلك غير معتبر، والكلام في الفقهيات إذا وصل إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى في التحقيق لمن ترك التقليد، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل " وهو عام سواء كان السوط والعصا صغيرا أو كبيرا.
والجواب: أن قوله: " قتيل الخطأ " يدل على أنه لا بد وأن يكون معنى الخطأ حاصلا فيه، وقد بينا أن من خنق إنسانا أو ضرب رأسه بحجر الرحا، ثم قال: ما كنت أقصد قتله، فان كل عاقل ببديهة عقله يعلم أنه كاذب في هذا المقال، فوجب حمل هذا الضرب على الضرب بالعصا الصغيرة حتى يبقى معنى الخطأ فيه. والله أعلم.
المسألة الثالثة: قال أبو حنيفة: القتل العمد لا يوجب الكفارة، وقال الشافعي: يوجب. احتج أبو حنيفة بهذه الآية، فقال قوله: * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * شرط لوجوب الكفارة وعند انتفاء الشرط لا يحصل المشروط، فيقال له: إنه تعالى قال: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 25) فقوله: * (ومن لم يستطع) * ما كان شرطا لجواز نكاح الأمة على قولكم، فكذلك ههنا. ثم نقول: الذي يدل على وجوب الكفارة في القتل العمد الخبر والقياس.
أما الخبر فهو ما روى واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب النار بالقتل، فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار.
وأما القياس: فهو أن الغرض من إعتاق العبد هو أن يعتقه الله من النار، والحاجة إلى هذا المعنى في القتل العمد أتم، فكانت الحاجة فيه إلى ايجاب الكفارة أتم والله أعلم.
وذكر الشافعي رضي الله عنه حجة أخرى من قياس الشبه فقال: لما وجبت الكفارة في قتل الصيد في الاحرام سوينا بين العامد وبين الخاطئ إلا في الاثم، فكذا في قتل المؤمن، ولهذا الكلام تأكيد آخر وهو أن يقال: نص الله تعالى هناك في العامد، وأوجبنا على الخاطئ. فههنا نص على الخاطئ، فبأن نوجبه على العامد مع أن احتياج العامد إلى الاعتاق المخلص له عن النار