أي ومن يطع الله في كونه إلها، وطاعة الله في كونه إلها هو معرفته والاقرار بجلاله وعزته وكبريائه وصمديته، فصارت هذه الآية تنبيها على أمرين عظيمين من أحوال المعاد، فالأول: هو أن منشأ جميع السعادات يوم القيامة إشراق الروح بأنوار معرفة الله، وكل من كانت هذه الأنوار في قلبه أكثر، وصفاؤها أقوى، وبعدها عن التكدر بمحبة عالم الأجسام أتم كان إلى السعادة أقرب وإلى الفوز بالنجاة أوصل. والثاني: انه تعالى ذكر في الآية المتقدمة وعد أهل الطاعة بالأجر العظيم والثواب الجزيل والهداية إلى الصراط المستقيم، ثم ذكر في هذه الآية وعدهم بكونهم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا الذي وقع به في الختم لا بد أن يكون أشرف وأعلى مما قبله، ومعلوم أنه ليس المراد من كون هؤلاء معهم هو أنهم يكونون في عين تلك الدرجات، لأن هذا ممتنع، فلا بد وأن يكون معناه أن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا لسبب الحب الشديد، فإذا فارقت هذا العالم ووصلت إلى عالم الآخرة بقيت تلك العلائق الروحانية هناك، ثم تصير تلك الأرواح الصافية كالمرايا المجلوة المتقابلة، فكأن هذه المرايا ينعكس الشعاع من بعضها على بعض، وبسبب هذه الانعكاسات تصير أنوارها في غاية القوة، فكذا القول في تلك الأرواح فإنها لما كانت مجلوة بصقالة المجاهدة عن غبار حب ما سوى الله، وذلك هو المراد من طاعة الله وطاعة الرسول، ثم ارتفعت الحجب الجسدانية أشرقت عليها أنوار جلال الله، ثم انعكست تلك الأنوار من بعضها إلى بعض وصارت الأرواح الناقصة كاملة بسبب تلك العلائق الروحانية، فهذا الاحتمال خطر بالبال والله أعلم بأسرار كلامه.
المسألة الثالثة: ليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين، كون الكل في درجة واحدة، لأن هذا يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول، وإنه لا يجوز. بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا، وإذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا عليه، فهذا هو المراد من هذه المعية.
المسألة الرابعة: اعلم أنه تعالى ذكر النبيين، ثم ذكر أوصافا ثلاثة: الصديقين والشهداء والصالحين، واتفقوا على أن النبيين مغايرون للصديقين والشهداء والصالحين، فأما هذه الصفات الثلاثة فقد اختلفوا فيها، قال بعضهم: هذه الصفات كلها لموصوف واحد، وهي صفات متداخلة فإنه لا يمتنع في الشخص الواحد أن يكون صديقا وشهيدا وصالحا. وقال الآخرون: بل المراد