في الواو أحسن لأنها تشبه واو الضمير. واتفق الجمهور على الضم في واو الضمير نحو * (اشتروا الضلالة) * (البقرة: 16) * (ولا تنسوا الفضل) * (البقرة: 237).
المسألة الثانية: الكناية في قوله: * (ما فعلوه) * عائدة إلى القتل والخروج معا، وذلك لأن الفعل جنس واحد وان اختلفت ضروبه، واختلف القراء في قوله: * (الا قليل) * فقرأ ابن عامر * (قليلا) * بالنصب، وكذا هو في مصاحب أهل الشام ومصحف أنس بن مالك، والباقون بالرفع، أما من نصب فقاس النفي على الاثبات، فإن قولك: ما جاءني أحد كلام تام، كما أن قولك: جاءني القوم كلام تام فلما كان المستثنى منصوبا في الإثبات فكذا مع النفي، والجامع كون المستثنى فضلة جاءت بعد تمام الكلام، وأما من رفع فالسبب أنه جعله بدلا من الواو في * (فعلوه) * وكذلك كل مستثنى من منفي، كقولك: ما أتاني أحد إلا زيد، برفع زيد على البدل من أحد، فيحمل إعراب ما بعد " إلا " على ما قبلها. وكذلك في النصب والجر، كقولك: ما رأيت أحدا الا زيدا، وما مررت بأحد إلا زيد. قال أبو علي الفارسي: الرفع أقيس، فان معنى ما أتى أحد إلا زيد، وما أتاني الا زيد واحد، فكما اتفقوا في قولهم ما أتاني الا زيد على الرفع وجب أن يكون قولهم: ما أتاني أحد الا زيد بمنزلته.
المسألة الثالثة: الضمير في قوله: * (ولو أنا كتبنا عليهم) * فيه قولان: الأول: وهو قول ابن عباس ومجاهد انه عائد إلى المنافقين، وذلك لأنه تعالى كتب على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم، فقال تعالى: ولو أنا كتبنا القتل والخروج عن الوطن على هؤلاء المنافقين ما فعله الا قليل رياء وسمعة، وحينئذ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم، فإذا لم نفعل ذلك بل كلفناهم بالأشياء السهلة فليتركوا النفاق وليقبلوا الايمان على سبيل الاخلاص، وهذا القول اختيار أبي بكر الأصم وأبي بكر القفال. الثاني: أن المراد لو كتب الله على الناس ما ذكر لم يفعله إلا قليل منهم، وعلى هذا التقدير دخل تحت هذا الكلام المؤمن والمنافق، وأما الضمير في قوله: * (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) * فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا، وعلى هذا التقدير يجب أن يكون المراد بالقليل المؤمنين، روي أن ثابت بن قيس بن شماس ناظر يهوديا، فقال اليهودي: ان موسى أمرنا بقتل أنفسنا فقبلنا ذلك، وإن محمدا يأمركم بالقتال فتكرهونه، فقال: يا أنت لو أن محمدا أمرني بقتل نفسي لفعلت ذلك، فنزلت هذه الآية. وروي أن ابن مسعود قال مثل ذلك، فنزلت هذه الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالا الايمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: والله لو أمرنا ربنا بقتل أنفسنا لفعلنا والحمد لله الذي