ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا، فأتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له: " شعب الحجون "، وخط على عبد الله خطا ليثبته به، قال: فسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع قلت: يا نبي الله، ما اللغط الذي سمعت؟ قال: " اجتمعوا إلى في قتيل كان بينهم، فقضيت بينهم بالحق ".
والثالث: أنهم مروا به وهو يقرأ، فسمعوا القرآن. فذكر بعض المفسرين أنه لما يئس من أهل مكة أن يجيبوه، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، وقيل: ليلتمس نصرهم - وذلك بعد موت أبي طالب، فلما كان ببطن نخلة قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر، فمر به نفر من أشراف جن نصيبين، فاستمعوا القرآن. فعلى هذا القول والقول الأول، لم يعلم بحضورهم حتى أخبره الله تعالى، وعلى القول الثاني:، علم بهم حين جاءوا. وفي المكان الذي سمعوا فيه تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم قولان: أحدهما: الحجون، وقد ذكرناه عن ابن مسعود، وبه قال قتادة. والثاني: بطن نخلة، وقد ذكرناه عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
وأما النفر، فقال ابن قتيبة: يقال: إن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة. وللمفسرين في عدد هؤلاء النفر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: اثني عشر ألفا، روي عن عكرمة، ولا يصح، لأن النفر لا يطلق على الكثير.
قوله تعالى: (فلما حضروه) أي: حضروا استماعه، و (قضي) يعني: فرغ من تلاوته (ولوا إلى قومهم منذرين) أي: محذرين عذاب الله عز وجل إن لم يؤمنوا.
وهل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم، أم جعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم؟ فيه قولان:
قال عطاء: كان دين أولئك الجن اليهودية، فلذلك قالوا: (من بعد موسى).
قوله تعالى: (أجيبوا داعي الله) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أنه أرسل إلى الجن والإنس.
قوله تعالى: (يغفر لكم من ذنوبكم) " من " هاهنا صلة.
قوله تعالى: (فليس بمعجز في الأرض) أي: لا يعجز الله تعالى (وليس له من دونه أولياء) أي: أنصار يمنعونه من عذاب الله تعالى: (أولئك) الذين لا يجيبون الرسل (في ضلال مبين).