قوله تعالى: (أولئك) يعني الكفار (الذين حق عليهم القول) أي: وجب عليهم قضاء الله أنهم من أهل النار (في أمم) أي: مع أمم. فذكر الله تعالى في الآيتين قبل هذه من بر والديه وعمل بوصية الله عز وجل، ثم ذكر من لم يعمل بالوصية ولم يطع ربه ولا والديه، (إنهم كانوا خاسرين) وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: " أنهم " بفتح الهمزة.
ثم قال: (ولكل درجات مما عملوا) أي: منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة، وأهل النار في العذاب (وليوفيهم أعمالهم) قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو: " وليوفيهم " بالياء، وقرأ الباقون: بالنون، أي: جزاء أعمالهم.
قوله تعالى: (ويوم يعرض) المعنى: واذكر لهم يوم يعرض (الذين كفروا على النار أذهبتم) أي: ويقال لهم: أذهبتم، قرأ ابن كثير: " آذهبتم " بهمزة مطولة. قرأ ابن عامر: " أأذهبتم " بهمزتين. وقرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: " أذهبتم " على الخبر، وهو توبيخ لهم. قال الفراء والزجاج: العرب توبخ بالألف وبغير الألف، فتقول: أذهبت وفعلت كذا؟!
وذهبت ففعلت؟! قال المفسرون: والمراد بطيباتهم: ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها. ولما وبخهم الله بذلك، آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على خصفة وبعضه على التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، فقال: يا رسول الله: أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير؟! فقال صلى الله عليه وسلم: " يا عمر، إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم، وهي وشيكة الانقطاع، وإنا أخرت لنا طيباتنا ". وروى جابر بن عبد الله قال: رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي، فقال:
ما هذا يا جابر؟ فقلت: اشتهيت لحما فاشتريته، فقال: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر؟! أما تخاف هذه الآية: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ". وروي عن عمر أنه قيل له: لو أمرت أن نصنع لك طعاما ألين من هذا، فقال: إني سمعت الله عير أقواما فقال: " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ".
قوله تعالى: (تستكبرون في الأرض) أي: تتكبرون عن عبادة الله والإيمان به.
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (21) قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (22) قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت