وقوله تعالى: (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) فيه إثبات إقرار الذي عليه الحق وإجازة ما أقربه وإلزامه إياه، لأنه لولا جواز إقراره إذا أقر ولم يكن إملاء الذي عليه الحق بأولى من إملاء غيره من الناس، فقد تضمن ذلك جواز إقرار كل مقر بحق عليه.
وقوله عز وجل: (وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) يدل على أن كل من أقر بشئ لغيره فالقول قوله فيه، لأن البخس هو النقص، فلما وعظه الله تعالى في ترك البخس دل ذلك على أنه إذا بخس كان قوله مقبولا، وهو نظير قوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) [البقرة: 228] لما وعظهن في الكتمان دل على أن المرجع فيه إلى قولهن، وكقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قد دل ذلك أنهم متى كتموها كان القول قولهم فيها. وكذلك وعظه الذي عليه الحق في ترك البخس دليل على أن المرجع إلى قوله فيما عليه. وقد ورد الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما دل عليه الكتاب، وهو قوله: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فجعل القول من ادعى عليه دون المدعي، وأوجب عليه اليمين، وهو معنى قوله تعالى: (ولا يبخس منه شيئا)، في إيجاب الرجوع إلى قوله.
واحتج بعضهم بهذه الآية على أن القول قول المطلوب في الأجل، لأن الله رد الإملاء إليه ووعظه في البخس بقوله تعالى: (ولا يبخس منه شيئا) في صدقه في مبلغ المال، فيقال: إنما وعظه في البخس وهو النقصان، ويستحيل وعظ المطلوب في بخس الأجل ونقصانه، وهو لو أسقط الأجل كله بعد ثبوته لبطل، كما لا يوعظ الطالب في نقصان ماله، إذ لو أبرأه من جميعه لصحت براءته. فلما كان ذلك كذلك علمنا أن المراد بالبخس في مقدار الديون لا في الأجل، فليس إذا في الآية دليل على أن القول قول المطلوب في الأجل.
فإن قيل: إثبات الأجل في المال يوجب نقصانه، فلما كان القول قول المطلوب في نقصان المال ومقداره وجب أن يكون القول قوله في الأجل لما فيه من بخس المال ونقصانه، إذ قد تضمنت الآية تصديقه في بخسه والجنس تارة يكون بنقصان المقدار وتارة بنقصان الصفة من أجل رداءة في المقر به. قيل له: لما قال تعالى: (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا) اقتضى ذلك النهي عن بخس الحق نفسه، فكان تقديره (ولا يبخس من الدين شيئا) ومدعي الأجل غير باخس من الدين ولا ناقص له، إذ كان بخس الدين هو نقصان مقداره، وليس الأجل هو الدين ولا بعضه، وإذا كان كذلك فلا دلالة في الآية على تصديقه على دعوى الأجل. ويدلك على أن الأجل ليس من الدين