جميعا وقد رأوا الحجر جائزا، ومشاركة الزبير ليدفع الحجر عنه، وكان ذلك بمحضر من الصحابة من غير خلاف ظهر من غيرهم عليهم.
قال أبو بكر: لا دلالة في ذلك على أن الزبير رأى الحجر، وإنما يدل ذلك على تسويغه لعثمان الحجر، وليس فيه ما يدل على موافقته إياه فيه، وذلك لأن هذا حكم سائر المسائل المختلف فيها من مسائل الاجتهاد، وأيضا فإن الحجر على وجهين، أحدهما: الحجر في منع التصرف والإقرار، والآخر: في المنع من المال، وجائز أن يكون الحجر الذي رآه عثمان وعلي هو المنع من ماله، لأنه جائز أن يكون سن عبد الله بن جعفر في ذلك الوقت خمسا وعشرين سنة، وأبو حنيفة يرى أن لا يدفع إليه ماله قبل بلوغ هذه السن إذا لم يؤنس منه رشد، وهذا عبد الله بن جعفر هو من الصحابة وقد أبى الحجر، فكيف يدعي فيه اتفاق الصحابة؟! ويحتجون أيضا بما روى الزهري عن عروة عن عائشة: أنه بلغها أن ابن الزبير بلغه أنها باعت بعض رباعها فقال: لتنتهين وإلا حجرت عليها! فبلغها ذلك فقالت: لله علي أن لا أكلمه أبدا! قالوا: فهذا يدل على أن ابن الزبير وعائشة قد رأيا الحجر، إلا أنها أنكرت عليه أن تكون هي من أهل الحجر، فلولا ذلك لبينت أن الحجر لا يجوز ولردت عليه قوله.
قال أبو بكر: قد ظهر النكير منها في الحجر، وهذا يدل على أنها لم تر الحجر جائزا، لولا ذلك لما أنكرته إن كان ذلك شيئا يسوغ فيه الاجتهاد. وما ظهر منها من النكير يدل على أنها كانت لا تسوغ الاجتهاد في جواز الحجر.
فإن قيل: إنما لم تسوغ الاجتهاد في الحجر عليها فأما في الحجر مطلقا فلا، ولو كانت لا تسوغ الاجتهاد في جواز الحجر لقالت (إن الحجر غير جائز فتكتفي بذلك في إنكارها الحجر عليها. قيل له: قد أنكرت الحجر على الإطلاق بقولها (لله علي أن لا أكلمه أبدا) ودعواك أنها أنكرت الحجر عليها خاصة دون إنكارها لأصل الحجر لا دلالة معها.
ومما يدل على بطلان الحجر ما حدثنا به محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بايعت فقل لا خلابة) فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأرزي وإبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي قالا: حدثنا عبد الوهاب قال: محمد عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرني سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك: أن رجلا على عهد