رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع وفي عقدته ضعف، فأتى به أهله نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف! فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع، فقال: يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كنت غير تارك البيع فقال ها وها ولا خلابة). فذكر في الحديث الأول أنه كان يخدع في البيع، فلم يمنع من التصرف ولم يحجر عليه، ولو كان الحجر واجبا لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم والبيع وهو مستحق المنع منه.
فإن قال قائل: فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بايعت فقل لا خلابة) فإنما أجاز له البيع على شريطة استيفاء البدل من غير مغابنة. قيل له: فليرض القائلون بالحجر منا على ما رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السفيه الذي كان يخدع في البيع، وليس أحد من الفقهاء يشترط ذلك على السفهاء لا من القائلين بالحجر ولا من نفاته، لأن من يرى الحجر يقول: (يحجر عليه الحاكم ويمنعه من التصرف) ولا يرون إطلاق التصرف له مع التقدمة إليه بأن يقول عند البيع (لا خلابة) ومبطلو أي الحجر يجيزون تصرفه على سائر الأحوال، فقد ثبت بدلالة هذا الخبر بطلان الحجر على السفيه بعد أن يكون عاقلا. وأيضا فإن جازت الثقة به في ضبط هذا الشرط وذكره عند سائر المبايعات، فقد تجوز الثقة به في ضبط عقود المبايعات ونفي المغابنات عنها. واللفظ الذي في هذا الخبر من قوله: (إذا بايعت فقل لا خلابة) يستقيم على مذهب محمد، فإنه يقول: (إن السفيه إذا بلغ فرفع أمره إلى الحاكم أجاز من عقوده ما لم تكن فيه مغابنة وضرر) فأما سائر من يرى الحجر فإنه لا يعتبر ذلك.
قال أبو بكر: ويجوز أن يقال إن مذهب محمد أيضا مخالف للأثر، لأن محمدا لا يجيز بيع المحجور عليه إلا أن يرفع إلى القاضي فيجيزه فجعله بيعا موقوفا كبيع أجنبي لو باع عليه بغير أمره، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل بيع الرجل الذي قال له: (إذا بايعت فقل لا خلابة) موقوفا، بل جعله جائزا نافذا إذا قال: (لا خلابة) فصار مذهب مثبتي الحجر مخالفا لهذا الأثر. وأما حديث أنس فإنه يحتج به الفريقان جميعا، فأما مثبتو الحجر فإنهم يحتجون بأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف! فلم ينكره عليهم، بل نهاه عن البيع، ولما قال (لا أصبر عن البيع) قال:
(إذا بايعت فقل لا خلابة) فأطلق له البيع على شريطة نفي التغابن فيه. وأما مبطلوه فإنهم يستدلون بأنه لما قال (إني لا أصبر عن البيع) أطلق له النبي صلى الله عليه وسلم التصرف وقال له: (إذا بعت فقل لا خلابة) فلو كان الحجر واجبا لما كان قوله (لا أصبر عن البيع) مزيلا للحجر عنه، لأن أحدا من موجبي الحجر لا يرفع الحجر عنه لفقد صبره عن البيع. وكما أن الصبي والمجنون المستحقين للحجر عند الجميع لو قالا (لا نصبر عن البيع) لم يكن هذا القول منهما مزيلا للحجر عنهما، ولما قيل لهما (إذا بايعتما فقولا لا خلابة). وفي