التسليم، فلما اتفق الجميع على جواز نكاح المجبوب مع عدم الوطء دل ذلك على أن صحة العقد غير متعلقة بالوطء، إذ لو كان كذلك لوجب أن لا يصح العقد عند عدم الوطء، ألا ترى أنه لما تعلقت صحته بصحة التسليم كان من لا يصح منها التسليم من ذوات المحارم لم يصح عليها العقد؟ وإذا كانت صحة العقد متعلقة بصحة التسليم من جهتها فواجب أن تستحق كمال المهر بعد صحة التسليم بحصول ما تعلقت به صحة العقد له، وأيضا فإن المستحق من قبلها هو التسليم ووقوع الوطء إنما هو من قبل الزوج فعجزه وامتناعه لا يمنع من صحة استحقاق المهر، ولذلك قال عمر رضي الله عنه في المخلو بها: (لها المهر كاملا، ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم؟) وأيضا لو استأجر دارا وخلى بينها وبينه استحق الأجر لوجود التسليم، كذلك الخلوة في النكاح. وإنما قالوا إنها إذا كانت محرمة أو حائضا أو مريضة إن ذلك لا تستحق به كمال المهر، من قبل أن هناك تسليما آخر صحيحا تستحق به كمال المهر، إذ ليس ذلك تسليما صحيحا، ولما لم يوجد التسليم المستحق بعقد النكاح لم تستحق كمال المهر. واحتج من أبى ذلك بظاهر قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال تعالى في آية أخرى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) فعلق استحقاق كمال المهر ووجوب العدة بوجود المسيس وهو الوطء، إذ كان معلوما أنه لم يرد به وجود المس باليد. والجواب عن ذلك: أن قوله تعالى: (من قبل أن تمسوهن) قد اختلف الصحابة فيه على ما وصفنا، فتأوله علي وعمر وابن عباس وزيد وابن عمر على الخلوة، فليس يخلو هؤلاء من أن يكونوا تأولوها من طريق اللغة أو من جهة أنه اسم له في الشرع، إذ غير جائز تأويل اللفظ على ما ليس باسم له في الشرع ولا في اللغة، فإن كان ذلك عندهم اسما له من طريق اللغة فهم حجة فيها لأنهم أعلم باللغة ممن جاء بعدهم، وإن كان من طريق الشرع فأسماء الشرع لا تؤخذ إلا توقيفا، وإذا صار ذلك اسما لها صار تقدير الآية: (وإن طلقتموهن من قبل الخلوة فنصف ما فرضتم) وأيضا لما اتفقوا على أنه لم يرد به حقيقة المس باليد وتأوله بعضهم على الجماع وبعضهم على الخلوة، ومتى كان اسما للجماع كان كناية عنه، وجائز أن يكون حكمه كذلك، وإذا أريد به الخلوة سقط اعتبار ظاهر اللفظ، لاتفاق الجميع على أنه لم يرد حقيقة معناه وهو المس باليد، ووجب طلب الدليل على الحكم من غيره، وما ذكرناه من الدلالة يقتضي أن مراد الآية هو الخلوة دون الجماع، فأقل أحواله أن لا يخص به ما ذكرنا من ظاهر الآي والسنة. وأيضا لو اعتبرنا حقيقة اللفظ اقتضى ذلك أن يكون لو خلا بها ومسها بيده أن تستحق كمال المهر لوجود حقيقة المس، وإذا لم يخل بها ومسها بيده خصصناه بالإجماع، وأيضا لو كان المراد الجماع، فليس يمتنع أن يقوم مقامه
(٥٣١)