أحد أن يكون من المحسنين، وكذلك قوله تعالى: (حقا على المتقين) قد دل قوله (حقا عليه) على الوجوب، وقوله تعالى: (حقا على المتقين) تأكيدا لإيجابها. وكذلك قوله تعالى: (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) [الأحزاب: 49] قد دل على الوجوب من حيث هو أمر. وقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) يقتضي الوجوب أيضا، لأنه جعلها لهم، وما كان للإنسان فهو ملكه له المطالبة به، كقولك (هذه الدار لزيد).
فإن قيل: لما خص المتقين والمحسنين بالذكر في إيجاب المتعة عليهم، دل على أنها غير واجبة وأنها ندب، لأن الواجبات لا يختلف فيها المتقون والمحسنون وغيرهم.
قيل له: إنما ذكر المتقين والمحسنين تأكيدا لوجوبها، وليس تخصيصهم بالذكر نفيا لايجابها على غيرهم كما قال تعالى: (هدى للمتقين) [البقرة: 2] وهو هدى للناس كافة، وقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) [البقرة: 183] فلم يكن قوله تعالى: (هدى للمتقين) [البقرة: 2] موجبا لأن لا يكون هدى لغيرهم، كذلك قوله تعالى: (حقا على المتقين) و (حقا على المحسنين) غير ناف أن يكون حقا على غيرهم. وأيضا فإنا نوجبها على المتقين والمحسنين بالآية ونوجبها على غيرهم بقوله تعالى: (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) [الأحزاب: 49] وذلك عام في الجميع بالإتفاق، لأن كل من أوجبها من فقهاء الأمصار على المحسنين والمتقين أوجبها على غيرهم. ويلزم هذا السائل أن لا يجعلها ندبا أيضا، لأن ما كان ندبا لا يختلف فيه المتقون وغيرهم، فإذا جاز تخصيص المتقين والمحسنين بالذكر في المندوب إليه من المتعة وهم وغيرهم فيه سواء، فكذلك جائز تخصيص المحسنين والمتقين بالذكر في الإيجاب ويكونون هم وغيرهم فيه سواء.
فإن قيل: لما لم يخصص المتقين والمحسنين في سائر الديون من الصداق وسائر عقود المداينات عند إيجابهم عليهم وخصهم بذلك عند ذكر المتعة، دل على أنها ليست بواجبة. قيل له: إذا كان لفظ الإيجاب موجودا في الجميع، فالواجب علينا الحكم بمقتضى اللفظ ثم تخصيصه بعض من أوجب عليه الحق بذكر التقوى، والإحسان إنما هو على وجه التأكيد، ووجوه التأكيد مختلفة، فمنها ما يكون ذكر بتقييد التقوى والإحسان، ومنها ما يكون بتخصيص لفظ الأداء نحو قوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) [النساء: 4] وقوله تعالى: (فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه) [البقرة: 283]، ومنها ما يكون بالأمر بالإشهاد عليه والرهن به، فكيف يستدل بلفظ التأكيد على نفي الإيجاب؟! وأيضا فإنا وجدنا عقد النكاح لا يخلو من إيجاب البدل إن كان مسمى، فالمسمى وإن لم يكن فيه تسمية فمهر المثل، ثم كانت حاله إذا كان فيه تسمية أن البضع