هبة شئ من مالها للزوج ولا لغيره، فكذلك المهر لأنه مالها. وقوله من حمله على الولي خارج عن الأصول، لأن أحدا لا يستحق الولاية على غيره في هبة مالها، فلما كان قول القائلين بذلك مخالفا للأصول خارجا عنها وجب حمل معنى الآية على موافقتها، إذ ليس ذلك أصلا بنفسه لاحتماله للمعاني، وما ليس بأصل في نفسه فالواجب رده إلى غيره من الأصول واعتباره بها. وأيضا فلو كان المعنيان جميعا في حيز الاحتمال ووجد نظائرهما في الأصول لكان في مقتضى اللفظ ما يوجب أن يكون الزوج أولى بظاهر اللفظ من الولي، وذلك لأن قوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) يقتضي أن الولي بحال لا حقيقة ولا مجازا، لأن قوله تعالى: (الذي بيده عقدة النكاح) يقتضي أن تكون العقدة موجودة وهي في يد من هي في يده، فأما عقدة غير موجودة فغير جائز إطلاق اللفظ عليها بأنها في يد أحد، فلما لم تكن هناك عقدة موجودة في يد الولي قبل العقد ولا بعده وقد كانت العقدة في يد الزوج قبل الطلاق فقد تناوله اللفظ بحال، فوجب أن يكون حمله على الزوج أولى منه على الولي.
فإن قيل: إنما حكم الله بذلك بعد الطلاق، وليست عقدة النكاح بيد الزوج بعد الطلاق. قيل له: يحتمل اللفظ بأن يريد الذي كان بيده عقدة النكاح، والولي لم يكن بيده عقدة النكاح، ولا هي في يده في الحال، فكان الزوج أولى بمعنى الآية من الولي. ويدل على ذلك قوله تعالى في نسق التلاوة: (ولا تنسوا الفضل بينكم) فندبه إلى الفضل، وقال تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وليس في هبة مال الغير إفضال منه على غيره، والمرأة لم يكن منها إفضال. وفي تجويز عفو الولي اسقاط معنى الفضل المذكور في الآية، وجعله تعالى بعد العفو أقرب للتقوى، ولا تقوى له في هبة مال غيره، وذلك الغير لم يقصد إلى العفو فلا يستحق به سمة التقوى. وأيضا فلا خلاف أن الزوج مندوب إلى ذلك، وعفوه وتكميل المهر لها جائز منه، فوجب أن يكون مرادا بها، وإذا كان الزوج مرادا انتفى أن يكون الولي مرادا بها، لأن السلف تأولوه على أحد معنيين: إما الزوج، وإما الولي، وإذ قد دللنا على أن الزوج مراد وجب أن تمتنع إرادة الولي.
فإن قال قائل: على ما قدمنا فيما تضمنته الآية من الندب إلى الفضل وإلى ما يقرب من التقوى، وإن كان ذلك خطابا مخصوصا به المالك دون من يهب مال الغير، ليس يمتنع في الأصول أن تلحق هذه التسمية للولي وإن فعل ذلك في مال من يلي عليه، والدليل على ذلك أنه يستحق الثواب باخراج صدقة الفطر عن الصغير من مال الصغير، وكذلك الأضحية والختان. قيل: أغفلت موضع الحجاج مما قدمناه، وذلك أنا قلنا: هو غير مستحق للثواب والفضل بالتبرع بمال الغير، فعارضتنا بمن وجب عليه حق في ماله