مالك واحتج به في جوازها في المشاع وقبل القبض، كان الكلام على ما قدمناه.
وأما قوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) فإن السلف قد اختلفوا فيه، فقال علي وجبير بن مطعم ونافع بن جبير وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب وقتادة ونافع: (هو الزوج) وكذلك قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري وابن شبرمة والأوزاعي والشافعي، قالوا: (عفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول) قالوا: (وقوله تعالى. (إلا أن يعفون) البكر والثيب). وقد روي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما ما رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: (هو الزوج) وروى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: (رضي الله بالعفو وأمر به، وإن عفت فكما عفت، وإن ضنت وعفى وليها جاز وإن أبت). وقال علقمة والحسن وإبراهيم وعطاء وعكرمة وأبو الزناد: (هو الولي). وقال مالك بن أنس: (إذا طلقها قبل الدخول وهي بكر جاز عفو أبيها عن نصف الصداق، وقوله تعالى: (إلا أن يعفون): اللاتي قد دخل بهن) قال: (ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شئ من الصداق إلا الأب وحده، لا وصي ولا غيره). وقال الليث: لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقدة النكاح ويجوز ذلك عليها، وبعد عقدة النكاح ليس له أن يضع شيئا من صداقها، ولا يجوز أيضا عفوه عن شئ من صداقها بعد الطلاق قبل الدخول، ويجوز له مبارأة زوجها وهي كارهة إذا كان ذلك نظرا من أبيها لها، فكما لم يجز للأب أن يضع شيئا من صداقها بعد النكاح كذلك لا يعفو عن نصف صداقها بعد ذلك). وذكر ابن وهب عن مالك أن مبارأته عليها جائزة.
قال أبو بكر: قوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) متشابه، لاحتماله الوجهين اللذين تأولهما السلف عليهما، فوجب رده إلى المحكم وهو قوله تعالى:
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء: 4] وقال تعالى في آية أخرى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) [النساء: 20] وقال تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله) [البقرة: 229]. فهذه الآيات محكمة لا احتمال فيها لغير المعنى الذي اقتضته، فوجب رد الآية المتشابهة وهي قوله تعالى: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) إليها، لأمر الله تعالى الناس برد المتشابه إلى المحكم، وذم متبعي المتشابه من غير حمله على معنى المحكم بقوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) [آل عمران: 7]. وأيضا لما كان اللفظ محتملا للمعاني، وجب حمله على موافقة الأصول، ولا خلاف أنه غير جائز للأب