ما هو مثله وفي حكمه من صحة التسليم كما قال تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) وما قام مقامه من الفرقة فحكمه حكمه في إباحتها للزوج الأول، وقد حكي عن الشافعي في المجبوب إذا جامع امرأته (أن عليه كمال المهر إن طلق من غير وطء) فعلمنا أن الحكم غير متعلق بوجود الوطء وإنما هو متعلق بصحة التسليم.
فإن قيل: لو كان التسليم قائما مقام الوطء لوجب أن يحلها للزوج الأول كما يحلها الوطء. قيل له: هذا غلط لأن التسليم إنما هو علة لاستحقاق كمال المهر وليس بعلة لإحلالها للزوج الأول، ألا ترى أن الزوج لو مات عنها قبل الدخول استحقت كمال المهر وكان الموت بمنزلة الدخول ولا يحلها ذلك للزوج الأول؟
قوله تعالى: (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) قوله تعالى: (إلا أن يعفون) المراد به الزوجات، لأنه لو أراد الأزواج لقال (إلا أن يعفو) ولا خلاف في ذلك. وقد روي أيضا عن ابن عباس ومجاهد وجماعة من السلف: (ويكون عفوها أن تترك بقية الصداق وهو النصف الذي جعله الله لها بعد الطلاق بقوله تعالى: (فنصف ما فرضتم)) فإن قيل: قد يكون الصداق عرضا بعينه وعقارا لا يصح فيه العفو قيل له: ليس معنى العفو في هذا الموضع أن تقول قد عفوت، وإنما هو التسهيل أو الترك، والمعني فيه أن تتركه له على الوجه الجائز في عقود التمليكات، فكان تقدير الآية: (أن تملكه إياه وتتركه له تمليكا بغير عوض تأخذه منه).
فإن قال قائل: في هذا دلالة على جواز هبة المشاع فيما يقسم لإباحة الله تعالى لها تمليك نصف الفريضة إياه بعد الطلاق ولم يفرق بين ما كان منها عينا أو دينا ولا بين ما يحتمل القسمة أو لا يحتملها، فوجب بقضية الآية جواز هبة المشاع. فيقال له: ليس الأمر كما ظننت، لأنه ليس المعنى في العفو أن تقول (قد عفوت) إذ لا خلاف أن رجلا لو قال لرجل (قد عفوت لك عن داري هذه أو قد أبرأتك من داري هذه) أن ذلك لا يوجب تمليكا ولا يصح به عقد هبة، وإذا كان كذلك وما نص عليه في الآية من العفو غير موجب لجواز عقود التمليكات به، علم أن المراد به تمليكها على الوجه الذي تجوز عليه عقود الهبات والتمليكات، إذ كان اللفظ الذي به يصح التمليك غير مذكور، فصار حكمه موقوفا على الدلالة، فما جاز في الأصول جاز في ذلك وما لم يجز في الأصول من عقود الهبات لم يجز في هذا. ومع هذا فإن كان هذا السائل عن ذلك من أصحاب الشافعي فإنه يلزمه أن يجيز الهبة غير مقبوضة، لأن الله سبحانه لم يفرق بين المهر المقبوض وغير المقبوض، فإذا عفت وقد قبضت فواجب أن يجوز من غير تسليمه إلى الزوج، وإذا لم يجز ذلك وكان محمولا على شروط الهبات كذلك في المشاع. وإن كان من أصحاب