أوجبنا عليها أكثر من ثلاثة قروء كنا زائدين في الآية ما ليس فيها، إذ لم تفرق بين من وطئت بشبهة من المطلقات وبين غيرها. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) [الطلاق: 4] ولم يفرق بين مطلقة قد وطئها أجنبي بشبهة وبين من لم توطأ، فاقتضى ذلك أن تكون عدتها ثلاثة أشهر في الوجهين جميعا. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق: 4] ولم يفرق بين من عليها عدة من رجل أو رجلين. ويدل عليه أيضا قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [البقرة: 89] لأن العدة إنما هي بمضي الأوقات والأهلة والشهور، وقد جعلها الله وقتا لجميع الناس، فوجب أن تكون الشهور والأهلة وقتا لكل واحد منهما لعموم الآية. ويدل عليه اتفاق الجميع على أن الأول لا يجوز له عقد النكاح عليها قبل انقضاء عدتها منه، فعلمنا أنها في عدة من الثاني، لأن العدة منه لا تمنع من تزويجها.
فإن قيل: منع من ذلك لأن العدة منه تتلوها عدة من غيره. قيل له: فقد يجوز أن يتزوجها ثم يموت هو قبل بلوغها مواضع الاعتداد من الثاني فلا تلزمها عدة من الثاني، فلو لم تكن في هذه الحال معتدة منه لما منع العقد عليها، لأن عدة تجب في المستقبل لا ترفع عقدا ماضيا، ويدل عليه أن الحيض إنما هو استبراء للرحم من الحبل، فإذا طلقها الأول ووطئها الثاني بشبهة قبل أن تحيض ثم حاضت ثلاث حيض فقد حصل الاستبراء، ويستحيل أن يكون استبراء من حمل الأول غير استبراء من حمل الثاني، فوجب أن تنقضي به العدة منهما جميعا. ويدل عليه أن من طلق امرأته وأبانها ثم وطئها في العدة بشبهة، أن عليها عدتين عدة من الوطء وتعتد بما بقي من العدة الأولى من العدتين، ولا فرق بين أن تكون العدة من رجلين أو من رجل واحد.
فإن قيل: إن هذا حق واجب لرجل واحد والأول واجب لرجلين. قيل له: لا فرق بين الرجل الواحد والرجلين، لأن الحقين إذا وجبا لرجل واحد فواجب إيفاؤهما إياه جميعا كوجوبهما لرجلين في لزوم توفيتهما إياهما، ألا ترى أنه لا فرق بين الرجلين، والرجل الواحد في آجال الديون ومواقيت الحج والإجارات ومدد الإيلاء في أن مضي الوقت الواحد يصير كل واحد منهما مستوفيا لحقه فتكون الشهور التي لهذا هي بعينها للآخر؟ وقد روى أبو الزناد عن سليمان بن يسار عن عمر في التي تزوجت في العدة أنه أمرها أن تعتد منهما) وظاهر ذلك يقتضي أن تكون عدة واحدة منهما.
فإن قيل: روى الزهري عن سليمان بن يسار عن عمر أنه قال: (تعتد بقية عدتها من الأول ثم تعتد من الآخر). قيل له: ليس فيه أنها تعتد من الآخر عدة مستقبلة،