بين أختين ودخل بهما، لم تحرم عليه تحريما مؤبدا، فكذلك الوطء عن عقد كان في العدة لا يخلو من أن يكون وطأ بشبهة أو زنا، وأيهما كان فالتحريم غير واقع به.
فإن قيل: قد يوجب الزنا والوطء بالشبهة تحريما مؤبدا عندكم كالذي يطأ أم امرأته أو ابنتها فتحرم عليه تحريما مؤبدا؟ قيل له: ليس هذا مما نحن فيه بسبيل، لأن كلامنا إنما هو في وطء يوجب تحريم الموطوءة نفسها، فأما وطء يوجب تحريم غيرها فإن ذلك حكم كل وطء عندنا زنا كان أو وطأ بشبهة أو مباحا، وأنت لم تجد في الأصول وطأ يوجب تحريم الموطوءة، فكان قولك خارجا عن الأصول وعن أقاويل السلف أيضا، لأن عمر قد رجع إلى قول علي في هذه المسألة. وأما ما روي عن عمر أنه جعل المهر في بيت المال، فإنه ذهب إلى أنه مهر حصل لها من وجه محظور فسبيله أن يتصدق به، فلذلك جعله في بيت المال ثم رجع فيه إلى قول علي رضي الله عنه. ومذهب عمر في جعل مهرها لبيت المال، إذ قد حصل لها ذلك من وجه محظور، يشبه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة المأخوذة بغير إذن مالكها، قدمت إليه مشوية، فلم يكد يسيغها حين أراد الأكل منها فقال: (إن هذه تخبرني أنها أخذت بغير حق) فأخبروه بذلك، فقال:
(أطعموها الأسارى). ووجه ذلك عندنا إنما صارت لهم بضمان القيمة، فأمرهم بالصدقة بها لأنها حصلت لهم من وجه محظور ولم يكونوا قد أدوا القيمة إلى أصحابها. وقد روي عن سليمان بن يسار أن مهرها لبيت المال. وقال سعيد بن المسيب وإبراهيم والزهري: (الصداق لها على ما روي عن علي) وفي اتفاق عمر وعلي على أن لا حد عليهما دلالة على أن النكاح في العدة لا يوجب الحد مع العلم بالتحريم، لأن المرأة كانت عالمة بكونها في العدة ولذلك جلدها عمر وجعل مهرها في بيت المال، وما خالفهما في ذلك أحد من الصحابة، فصار ذلك أصلا في أن كل وطء عن عقد فاسد أنه لا يوجب الحد سواء كانا عالمين بالتحري أو غير عالمين به، وهذا يشهد لأبي حنيفة فيمن وطئ ذات محرم منه بنكاح أنه لا حد عليه.
وقد اختلف الفقهاء في العدة إذا وجبت من رجلين، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك في رواية ابن القاسم عنه والثوري والأوزاعي: (إذا وجبت عليها العدة من رجلين فإن عدة واحدة تكون لهما جميعا، سواء كانت العدة بالحمل أو بالحيض أو بالشهور) وهو قول إبراهيم النخعي. وقال الحسن بن صالح والليث والشافعي: (تعتد لكل واحد عدة مستقبلة). والذي يدل على صحة القول الأول قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228] يقتضي كون عدتها ثلاثة قروء إذا طلقها زوجها ووطئها رجل بشبهة، لأنها مطلقة قد وجبت عليها عدة، ولو