بعض بالواو غير موجب ترتيب المعنى على ترتيب اللفظ، وقوله: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قد دل على جواز ورود الأمر بذبح البقرة بقرة مجهولة غير معروفة ولا موصوفة ويكون المأمور مخيرا في ذبح أدنى ما يقع الاسم عليه.
وقد تنازع معناه الفريقان من نفاة العموم ومن مثبتيه، واحتج به كل واحد من الفريقين لمذهبه، فأما القائلون بالعموم فاحتجوا به من جهة وروده مطلقا فكان ذلك أمرا لازما في كل واحد من آحاد ما تناوله العموم، وأنهم لما تعنتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراجعة مرة بعد أخرى شدد الله عليهم التكليف وذمهم على مراجعته بقوله: (فذبحوها وما كادوا يفعلون). وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمد بيده لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم). وروي نحو ذلك عن ابن عباس وعبيدة وأبي العالية والحسن ومجاهد.
واحتج من أبي القول بالعموم بأن الله تعالى لم يعنفهم على المراجعة بدأ، ولو كان قد لزمهم تنفيذ ذلك على ما ادعيتموه من اقتضاء عموم اللفظ لورد النكير في بدء المراجعة، وهذا ليس بشئ، لأن النكير ظاهر عليهم في اللفظ من وجهين، أحدهما:
تغليظ المحنة عليهم وهذا ضرب من النكير كما قال الله تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) [النساء: 16] والثاني: قوله (وما كادوا يفعلون) وهذا يدل على أنهم كانوا تاركين للأمر بدا وأنه قد كان عليهم المسارعة إلى فعله.
فقد حصلت الآية على معان:
أحدها: وجوب اعتبار عموم اللفظ فيما يمكن استعماله.
والثاني: أن الأمر على الفور وأن على المأمور المسارعة إلى فعله على حسب الإمكان حتى تقوم الدلالة على جواز التأخير.
والثالث: جواز ورود الأمر بشئ مجهول الصفة مع تخيير المأمور في فعل ما يقع الاسم عليه منه.
والرابع: وجوب الأمر وأنه لا يصار إلى الندب إلا بدلالة، إذ لم يلحقهم الذم إلا بترك الأمر المطلق من غير ذكر وعيد.