أن أرجع إلى أهلي فإنه لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم!) قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني فقال:
(كيف قلت؟) فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت، فلما كان عثمان أرسل إلي وسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به.
وقد روي عن ابن عباس خلاف ذلك، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثنا موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء: قال ابن عباس: (نسخت هذه الآية عدتها عند أهله فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل (غير اخراج) قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في منزلها، وإن شاءت خرجت، لقول الله تعالى: (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن) قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت.
قال أبو بكر: ليس في إيجاب الميراث ما يوجب نسخ الكون في المنزل، وقد يجوز اجتماعهما، فليس في ثبوت أحدهما نفي الآخر. وقد ثبت ذلك أيضا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد نسخ الحول وإيجاب الميراث، لأن عدة الفريعة كانت أربعة أشهر وعشرا، وقد نهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن النقلة. وما روينا من قصة الفريعة قد دل على معنيين، أحدهما: لزوم الكون في المنزل الذي كانت تسكنه يوم الوفاة والنهي عن النقلة، والثاني: جواز الخروج، إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الخروج، ولو كان الخروج محظورا لنهاها عنه. وقد روي مثل ذلك عن جماعة من السلف، منهم عبد الله بن مسعود وعمر وزيد بن ثابت وأم سلمة وعثمان، أنهم قالوا: (المتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار ولا تبيت عن بيتها) وروى عبد الرزاق عن ابن كثير عن مجاهد قال: (استشهد رجال يوم أحد فآمنت نساؤهم وكن متجاورات في دار، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: نبيت عند إحدانا؟ فقال: (تزاورن بالنهار فإذا كان الليل فلتأو كل واحدة منكن إلى بيتها). وروي عن جماعة من السلف أن المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، منهم علي وابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة، وما قدمنا من دليل الكتاب والسنة يوجب صحة القول الأول.
فإن قيل: قال الله تعالى: (متاعا إلى الحول غير اخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) فهذا يدل على أن لها أن تنتقل؟ قيل له:
المعنى (فإذا خرجن بعد انقضاء العدة) كما قال في الآية الأخرى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) ويدل على أن المراد ما ذكرنا أنها لو خرجت قبل انقضاء العدة لم يكن لها أن تتزوج بالاتفاق، فدل ذلك على أن المراد (فإذا خرجن بعد