الحولين وأنه ليس للأب أن يسترضع له غيرها إذا رضيت بأن ترضعه. والثاني: أن الذي يلزم الأب في نفقة الرضاع إنما هو سنتان. وفي الآية دلالة على أن الأب لا يشارك في نفقة الرضاع، لأن الله تعالى أوجب هذه النفقة على الأب للأم وهما جميعا وارثان، ثم جعل الأب أولى بإلزام ذلك من الأم مع اشتراكهما في الميراث، فصار ذلك أصلا في اختصاص الأب بإلزام النفقة دون غيره. كذلك حكمه في سائر ما يلزمه من نفقة الأولاد الصغار والكبار الزمنى يختص هو بإيجابه عليه دون مشاركة غيره فيه، لدلالة الآية عليه.
وقوله تعالى: (رزقهن وكسوتهن بالمعروف) يقتضي وجوب النفقة والكسوة لها في حال الزوجية لشمول الآية لسائر الوالدات من الزوجات والمطلقات. وقوله تعالى:
(بالمعروف) يدل على أن الواجب من النفقة والكسوة هو على قدر حال الرجل في إعساره ويساره، إذ ليس من المعروف إلزام المعسر أكثر مما يقدر عليه ويمكنه، ولا إلزام الموسر الشئ الطفيف. ويدل أيضا على أنها على مقدار الكفاية مع اعتبار حال الزوج، وقد بين ذلك بقوله عقيب ذلك: (لا تكلف نفس إلا وسعها)، فإذا اشتطت المرأة وجلبت من النفقة أكثر من المعتاد المتعارف لمثلها لم تعط، وكذلك إذا قصر الزوج عن مقدار نفقة مثلها في العرف والعادة لم يحل ذلك وأجبر على نفقة مثلها.
وفي هذه الآية دلالة على جواز استيجار الظئر بطعامها وكسوتها، لأن ما أوجبه الله تعالى في هذه الآية للمطلقة همي أجرة الرضاع، وقد بين ذلك بقوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن).
وفي هذه الآية دلالة على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث، إذ لا توصل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلا من جهة غالب الظن وأكثر الرأي، إذ كان ذلك معتبرا بالعادة، وكل ما كان مبنيا على العادة فسبيله الاجتهاد وغالب الظن، إذ ليست العادة مقصورة على مقدار واحد لا زيادة عليه ولا نقصان. ومن جهة أخرى هو مبني على الاجتهاد، وهو اعتبار حاله في إعساره ويساره ومقدار الكفاية والإمكان بقوله: (لا تكلف نفس إلا وسعها) واعتبار الوسع مبني على العادة.
وقوله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها) يوجب بطلان قول أهل الإجبار في اعتقادهم أن الله يكلف عباده مالا يطيقون، وإكذاب لهم في نسبتهم ذلك إلى الله تعالى الله عما يقولون وينسبون إليه من السفه والعبث علوا كبيرا.
قوله تعالى: (لا تضار والدة بوالدها ولا مولود له بولده) وروي عن الحسن ومجاهد وقتادة قالوا: (هو المضارة في الرضاع). وعن سعيد بن جبير وإبراهيم قالا:
(إذا قام الرضاع على شئ خيرت الأم).