صلى الله تعالى عليه وسلم قال: (ليس للولي مع الثيب أمر) قال أبو داود: وحدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن مسلمة قالا: حدثنا مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها) فقوله: (ليس للولي مع الثيب أمر) يسقط اعتبار الولي في العقد، وقوله: (الأيم أحق بنفسها من وليها) يمنع أن يكون له حق في منعها العقد على نفسها، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بصقبه) وقوله لأم الصغير: (أنت أحق به ما لم تنكحي) فنفى بذلك كله أن يكون له معها حق. ويدل عليه حديث الزهري عن سهل بن سعد في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (مالي في النساء من أرب) فقام رجل فسأله أن يزوجها، فزوجها ولم يسألها هل لها ولي أم لا، ولم يشترط الولي في جواز عقدها. وخطب النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فقالت: ما أحد من أوليائي شاهد، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني) فقالت لابنها وهو غلام صغير: قم فزوج أمك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فتزوجها صلى الله عليه وسلم بغير ولي.
فإن قيل: لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان وليها وولي المرأة التي وهبت نفسها له، لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) [الأحزاب: 6]. قيل له:
هو أولى بهم فيما يلزمه من اتباعه وطاعته فيما يأمرهم به، فإما أن يتصرف عليهم في أنفسهم وأموالهم فلا، ألا ترى أنه لم يقل لها حين قالت له ليس أحد من أوليائي النبي شاهد (وما عليك من أوليائك وأنا أولى بك منهم) بل قال: (ما أحد منهم يكرهني)؟ وفي هذا دلالة على أنه لم يكن وليا لهن في النكاح.
ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على جواز نكاح الرجل إذا كان جائز التصرف في ماله، كذلك المرأة لما كانت جائزة التصرف في مالها وجب جواز عقد نكاحها. والدليل على أن العلة في جواز نكاح الرجل ما وصفنا أن الرجل إذا كان مجنونا غير جائز التصرف في ماله لم يجز نكاحه، فدل على صحة ما وصفنا.
واحتج من خالف في ذلك بحديث شريك عن سماك عن ابن أبي أخي معقل بن يسار عن معقل: أن أخت معقل كانت تحت رجل، فطلقها ثم أراد أن يراجعها، فأبى عليها معقل، فنزلت هذه الآية: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن). وقد روي عن الحسن أيضا هذه القصة، وأن الآية نزلت فيها، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا معقلا وأمره بتزويجها. وهذا الحديث غير ثابت على مذهب أهل النقل، لما في سنده من الرجل المجهول الذي روى عنه سماك. وحديث الحسن مرسل، ولو ثبت لم ينف دلالة