إذن وليها، أحدها: إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي. والثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان.
فإن قيل: لولا أن الولي يملك منعها عن النكاح لما نهاه عنه كما لا ينهى الأجنبي الذي لا ولاية له عنه. قيل له: هذا غلط، لأن النهي يمنع أن يكون له حق فيما نهى عنه فكيف يستدل به على إثبات الحق؟ وأيضا فإن الولي يمكنه أن يمنعها من الخروج والمراسلة في عقد النكاح، فجائز أن يكون النهي عن العضل منصرفا إلى هذا الضرب من المنع، لأنها في الأغلب تكون في يد الولي بحيث يمكنه منعها من ذلك. ووجه آخر من دلالة الآية على ما ذكرنا، وهو أنه لما كان الولي منهيا عن العضل إذا زوجت هي نفسها من كفو، فلا حق له في ذلك، كما لو نهى عن الربا والعقود الفاسدة لم يكن له حق فيما قد نهى عنه، فلم يكن له فسخه، وإذا اختصموا إلى الحاكم فلو منع الحاكم من مثل هذا العقد كان ظالما مانعا مما هو محظور عليه منعه، فيبطل حقه أيضا في الفسخ فيبقى العقد لا حق لأحد في فسخه فينفذ ويجوز.
فإن قيل إنما نهى الله سبحانه الولي عن العضل إذا تراضوا بينهم بالمعروف، فدل ذلك على أنه ليس بمعروف إذا عقده غير الولي. قيل له: قد علمنا أن المعروف مهما كان من شئ فغير جائز أن يكون عقد الولي وذلك لأن في نص الآية جواز عقدها ونهي الولي عن منعها فغير جائز أن يكون معنى المعروف أن لا يجوز عقدها لما فيه من نفي موجب الآية، وذلك لا يكون إلا على وجه النسخ، ومعلوم امتناع جواز الناسخ والمنسوخ في خطاب واحد، لأن النسخ لا يجوز إلا بعد استقرار الحكم والتمكن من الفعل، فثبت بذلك أن المعروف المشروط في تراضيهما ليس هو الولي. وأيضا فإن الباء تصحب الأبدال، فإنما انصرف ذلك إلى مقدار المهر، وهو أن يكون مهر مثلها لا نقص فيه، ولذلك قال أبو حنيفة: (إنها إذا نقضت من مهر المثل فللأولياء أن يفرقوا بينهما).
ونظير هذه الآية في جواز النكاح بغير ولي قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا) قد حوى الدلالة من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: إضافته عقد النكاح إليها في قوله: (حتى تنكح زوجا غيره)، والثاني: (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي. ومن دلائل القرآن على ذلك قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) فجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي الموجب الآية.
فإن قيل: إنما أراد بذلك اختيار الأزواج وأن لا يجوز العقد عليها إلا بإذنها. قيل