قال أبو بكر: فمعناه لا تضار والدة بولدها بأن لا تعطى إذا رضيت بأن ترضعه بمثل ما ترضعه به الأجنبية، بل تكون هي أولى على ما تقدم في أول الآية من قوله:
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فجعل الأم أحق برضاع الولد هذه المدة، ثم أكد ذلك بقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها) يعني والله أعلم أنها إذا رضيت بأن ترضع بمثل ما ترضع به غيرها، لم يكن للأب أن يضارها فيدفعه إلى غيرها، وهو كما قال في آية أخرى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) [الطلاق: 6] فجعلها أولى بالرضاع، ثم قال: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) [الطلاق: 6] فلم يسقط حقها من الرضاع إلا عند التعاسر. ويحتمل أن يريد به أنها لا تضار بولدها إذا لم تختر أن ترضعه بأن ينتزع منها، ولكنه يؤمر الزوج بأن يحضر الظئر إلى عندها حتى ترضعه في بيتها، وكذلك قول أصحابنا. ولما كانت الآية محتملة للمضارة في نزع الولد منها واسترضاع غيرها، وجب حمله على المعنيين، فيكون الزوج ممنوعا من استرضاع غيرها إذا رضيت هي بأن ترضعه بأجرة مثلها وهي الرزق والكسوة بالمعروف، وإن لم ترضع أجبر الزوج على إحضار المرضعة حتى ترضعه في بيتها حتى لا يكون مضارا لها بولدها. وفي هذا دلالة على أن الأم أحق بإمساك الولد ما دام صغيرا وإن استغنى عن الرضاع بعد ما يكون ممن يحتاج إلى الحضانة، لأن حاجته إلى الأم بعد الرضاع كهي قبله، فإذا كانت في حال الرضاع أحق به، وإن كانت المرضعة غيرها علمنا في كونه عند الأم حقا لها وفيه حق للولد أيضا وهو أن الأم أرفق به وأحنى عليه. وذلك في الغلام عندنا إلا أن يأكل وحده ويشرب وحده ويتوضأ وحده، وفي الجارية حتى تحيض، لأن الغلام إذا بلغ الحد الذي يحتاج فيه إلى التأديب ويعقله ففي كونه عند الأم دون الأب ضرر عليه، والأب مع ذلك أقوم بتأديبه، وهي الحال التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع). فمن كان سنه سبعا فهو مأمور بالصلاة على وجه التعليم والتأديب، لأنه يعقلها، فكذلك سائر الأدب الذي يحتاج إلى تعلمه. وفي كونه عندها في هذه الحال ضرر عليه، ولا ولاية لأحد على الصغير فيما يكون فيه ضرر عليه. وأما الجارية فلا ضرر عليها في كونها عند الأم إلى أن تحيض، بل كونها عندها أنفع لها، لأنها تحتاج إلى آداب النساء، ولا تزول هذه الولاية عنها، إلا بالبلوغ لأنها تستحقها عليها بالولادة، ولا ضرر عليها في كونها عندها، فلذلك كانت أولى إلى وقت البلوغ، فإذا بلغت احتاجت إلى التحصين والأب أقوم بتحصينها، فلذلك كان أولى بها.