يخافا إلا يقيما حدود الله) وفي الآخر بالإباحة وهو قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء: 4] فقول القائل: (لما جاز أن يأخذ مالها بطيبة نفسها من غير الخلع جاز في الخلع) قول مخالف لنص الكتاب.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخلع ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة، عن حبيبة بنت سهل الأنصارية، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل، عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هذه؟) قالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: (ما شأنك؟) قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاءه ثابت بن قيس قال له: (هذه حبيبة بنت سهل) فذكرت ما شاء الله أن تذكر، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لثابت: (خذ منها!) فأخذ منها وجلست في أهلها. وروي فيه ألفاظ مختلفة في بعضها (خل سبيلها) وفي بعضها: (فارقها). وإنما قالوا: إنه لا يسعه أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، لما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، أن رجلا خاصم امرأته إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تردين إليه ما أخذت منه؟) قالت: نعم وزيادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الزيادة فلا).
وقال أصحابنا: (لا يأخذ منه الزيادة لهذا الخبر) وخصوا به ظاهر الآية، وإنما جاز تخصيص هذا الظاهر بخبر الواحد من قبل أن قوله تعالى: (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) لفظ محتمل لمعان والاجتهاد سائغ فيه. وقد روي عن السلف فيه وجوه مختلفة. وكذلك قوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [النساء: 19] محتمل لمعان على ما وصفنا، فجاز تخصيصه بخبر الواحد، وهو كقوله تعالى: (أو لامستم النساء) [النساء: 43] وقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) [البقرة: 237] لما كان محتملا للوجوه واختلف السلف في المراد به، جاز قبول خبر الواحد في معناه المراد به. وإنما قال أصحابنا إذا خلعها على أكثر مما أعطاها، أو خلعها على مال والنشوز من قبله (إن ذلك جائز في الحكم وإن لم يسعه فيما بينه وبين الله تعالى) من قبل أنه أعطته بطيبة من نفسها غير مجبرة عليه، وقد قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه). وأيضا فإن النهي لم يتعلق بمعنى في نفس العقد، وإنما تعلق بمعنى