وقوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف) المراد به الرجعة قبل انقضاء العدة، وروي ذلك عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة.
وقوله تعالى: (أو سرحوهن بمعروف) معناه تركها حتى تنقضي عدتها. وأباح الإمساك بالمعروف وهو القيام بما يجب لها من حق على ما تقدم من بيانه، وأباح التسريح أيضا على وجه يكون معروفا بأن لا يقصد مضارتها بتطويل العدة عليها بالمراجعة، وقد بينه عقيب ذلك بقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا) ويجوز أن يكون من الفراق بالمعروف أن يمتعها عند الفرقة.
ومن الناس من يحتج بهذه الآية، وبقوله: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) في إيجاب الفرقة بين المعسر العاجز عن النفقة وبين امرأته، لأن الله تعالى إنما خيره بين أحد شيئين: إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وترك الانفاق ليس بمعروف، فمتى عجز عنه تعين عليه التسريح، فيفرق الحاكم بينهما.
قال أبو بكر رحمه الله: وهذا جهل من قائله والمحتج به، لأن العاجز عن نفقة امرأته يمسكها بمعروف، إذ لم يكلف الانفاق في هذا الحال، قال الله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) [الطلاق: 7] فغير جائز أن يقال إن المعسر غير ممسك بالمعروف، إذ كان ترك الإمساك بمعروف ذما، والعاجز غير مذموم بترك الانفاق، ولو كان العاجز عن النفقة غير ممسك بمعروف لوجب أن يكون أصحاب الصفة وفقراء الصحابة الذين عجزوا عن النفقة على أنفسهم - فضلا عن نسائهم - غير ممسكين بمعروف. وأيضا فقد علمنا أن القادر على الانفاق الممتنع منه غير ممسك بمعروف، ولا خلاف أنه لا يستحق التفريق، فكيف يجوز أن يستدل بالآية على وجوب التفريق على العاجز دون القادر والعاجز ممسك بمعروف والقادر غير ممسك؟ وهذا خلف من القول.
قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) روي عن مسروق والحسن ومجاهد وقتادة وإبراهيم: (هو تطويل العدة عليها بالمراجعة إذا قاربت انقضاء عدتها ثم يطلقها حتى تستأنف العدة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها، فأمر الله بإمساكها بمعروف ونهاه عن مضارتها بتطويل العدة عليها).
وقوله تعالى: (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) دل على وقوع الرجعة، وإن قصد بها مضارتها، لولا ذلك ما كان ظالما لنفسه إذ لم يثبت حكمها وصارت رجعته لغوا لا حكم لها.