قال أبو بكر: قد أنزل الله تعالى في الخلع آيات، منها قوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) [النساء: 20] فهذا يمنع أخذ شئ منها إذا كان النشوز من قبله، فلذلك قال أصحابنا: (لا يحل له أن يأخذ منها في هذه الحال شيئا). وقال تعالى في آية أخرى:
(ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) فأباح في هذه الآية الأخذ عند خوفهما ترك إقامة حدود الله، وذلك على ما قدمنا من بغض المرأة لزوجها وسوء خلقها، أو كان ذلك منهما، فيباح له أخذ ما أعطاها ولا يزداد، والظاهر يقتضي جواز أخذ الجميع ولكن ما زاد مخصوص بالسنة. وقال تعالى في آية أخرى: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قيل فيه إنه خطاب للزوج وحظر به أخذ شئ مما أعطاها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، قيل فيها إنها هي الزنا، وقيل فيها إنها النشوز من قبلها، وهذه نظير قوله تعالى: (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وقال تعالى في آية أخرى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) [النساء:
35] وسنذكر حكمها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وذكر الله تعالى إباحة أخذ المهر في غير هذه الآية، إلا أنه لم يذكر حال الخلع، في قوله: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء: 4] وقال: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) [البقرة: 237] وهذه الآيات كلها مستعملة على مقتضى أحكامها، فقلنا: إذا كان النشوز من قبله لم يحل له أخذ شئ منها، بقوله تعالى: (فلا تأخذوا منه شيئا) [النساء: 20] وقوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) [النساء: 19]. وإذا كان النشوز من قبلها، أو خافا لسوء خلقها أو بعض كل واحد منهما لصاحبه أن لا يقيما، جاز له أن يأخذ ما أعطاها لا يزداد. وكذلك (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [النساء: 19] وقد قيل فيه: إلا أن تنشز فيجوز له عند ذلك أخذ ما أعطاها.
وأما قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء:
4] فهذا في غير حال الخلع، بل في حال الرضا بترك المهر بطيبة من نفسها به. وقول من قال: (إنه لما أجاز أخذ مالها بغير خلع فهو جائز والخلع) خطأ، لأن الله تعالى قد نص على الموضعين، في أحدهما بالحظر وهو قوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) [النساء: 20] وقوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن