جواز الخلع دون السلطان. ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرء إلا بطيبة من نفسه).
وقد اختلف في الخلع هل هو طلاق أم ليس بطلاق، فروي عن عمر وعبد الله وعثمان والحسن وأبي سلمة وشريح وإبراهيم والشعبي ومكحول: (إن الخلع تطليقة بائنة) وهو قول فقهاء الأمصار لا خلاف بينهم فيه. وروي عن ابن عباس: أنه ليس بطلاق، حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال:
حدثنا شعبة قال: أخبرني عبد الملك بن ميسرة قال: سأل رجل طاوسا عن الخلع، فقال:
ليس بشئ، فقلت: لا تزال تحدثنا بشئ لا نعرفه! فقال: والله لقد جمع ابن عباس بين امرأة وزوجها بعد تطليقتين وخلع. ويقال: هذا مما أخطأ فيه طاوس، وكان كثير الخطأ مع جلالته وفضله وصلاحه يروي أشياء منكرة، منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال:
(من طلق ثلاثا كانت واحدة) وقد وروي من غير وجه عن ابن عباس: (أن من طلق امرأته عدد النجوم بانت منه بثلاث). قالوا: وكان أيوب يتعجب من كثرة خطأ طاوس. وذكر ابن أبي نجيح عن طاوس أنه قال: (الخلع ليس بطلاق) قال: فأنكره عليه أهل مكة، فجمع ناسا منهم واعتذر إليهم وقال: إنما سمعت ابن عباس يقول ذلك. وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا أبو همام قال:
حدثنا الوليد عن أبي سعيد روح بن جناح قال: سمعت زمعة بن أبي عبد الرحمن قال:
سمعت سعيد بن المسيب يقول: (جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخلع تطليقة). ويدل على أنه طلاق قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لثابت بن قيس حين نشزت عليه امرأته: (خل سبيلها) وفي بعض الألفاظ: (فارقها) بعد ما قال للمرأة: (ردي عليه حديقته) فقالت: قد فعلت. ومعلوم أن من قال لامرأته (قد فارقتك) أو (قد خليت سبيلك) ونيته الفرقة، أنه يكون طلاقا، فدل ذلك على أن خلعه إياها بأمر الشارع كان طلاقا. وأيضا لا خلاف أنه لو قال لها (قد طلقتك على مال) أو قد جعلت أمرك إليك بمال) كان طلاقا، وكذلك لو قال لها (قد خلعتك بغير مال) يريد به الفرقة كان طلاقا، كذلك إذا خلعها بمال.
فإن قيل: إذا قال بلفظ الخلع كان بمنزلة الإقالة في البيع فتكون فسخا لا بيعا مبتدأ. قيل له: لا خلاف في جواز الخلع بغير مال وعلى أقل من المهر، والإقالة لا تجوز إلا بالثمن الذي كان في العقد. ولو كان الخلع فسخا كالإقالة لما جاز إلا بالمهر الذي تزوجها عليه، وفي اتفاق الجميع على جوازه بغير مال وبأقل من المهر دلالة على أنه طلاق بمال وأنه ليس بفسخ وأنه لا فرق بينه وبين قوله قد طلقتك على هذا المال.