الحائض منها وغير ذلك، فقال: سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لك منها ما فوق الإزار وليس لك منها ما تحته). ويدل عليه أيضا حديث الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزر في فور حيضها ثم يباشرها، فأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟). وروى الشيباني أيضا عن عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عنه مثله.
ومن أباح له ما دون المئزر احتج بحديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت ولا يؤاكلونها ولا يجامعونها في بيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض) الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(جامعوهن فيه في البيوت واصنعوا كل شئ إلا النكاح). وبما روى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (ناوليني الخمرة) فقالت: إني حائض، فقال: (ليست حيضتك في يدك) قالوا:
وهذا يدل على أن كل عضو منها ليس فيه الحيض حكمه حكم ما كان فيه قبل الحيض في الطهارة وفي جواز الاستمتاع. والجواب عن ذلك لمن رأى حظر ما دون مئزرها، أن قوله في حديث أنس إنما فيه ذكر سبب نزول الآية وما كانت اليهود تفعله، فأخبر عن مخالفتهم في ذلك، وأنه ليس علينا اخراجها من البيت وترك مجالستها، وقوله: (اصنعوا كل شئ إلا النكاح) جائز أن يكون المراد به الجماع فيما دون الفرج، لأنه ضرب من النكاح والمجامعة، وحديث عمر الذي ذكرناه قاض عليه متأخر عنه، والدليل على ذلك أن في حديث أنس إخبارا عن حال نزول الآية وحديث عمر بعد ذلك. لأنه لم يخبر عن حال نزول الآية، وقد أخبر فيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل من الحائض، وذلك لا محالة بعد حديث أنس من وجهين، أحدهما: أنه لم يسأل عما يحل منها إلا وقد تقدم تحريم إتيان الحائض. والثاني: أنه لو كان السؤال في حال نزول الآية عقيبها لاكتفى بما ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اصنعوا كل شئ إلا النكاح). وفي ذلك دليل على أن سؤال عمر كان بعد ذلك. ومن جهة أخرى أنه لو تعارض حديث عمر وحديث أنس لكان حديث عمر أولى بالاستعمال لما فيه من حظر الجماع فيما دون الفرج، وفي ظاهر حديث أنس الإباحة، والحظر والإباحة إذا اجتمعا فالحضر أولى. ومن جهة أخرى، وهو أن خبر عمر يعضده ظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)، وخبر أنس يوجب تخصيصه وما يوافق القرآن من الأخبار فهو أولى مما يخصه، ومن جهة أخرى، وهو أن خبر أنس مجمل عام ليس فيه بيان إباحة موضع بعينه، وخبر عمر مفسر فيه بيان الحكم في الموضعين مما تحت الإزار وما فوقه، والله أعلم.