صلوا العشاء شربوها، ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله عز وجل، فأنزل الله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) [المائدة: 90]، قال: فالميسر: القمار، والأنصاب: الأوثان، والأزلام: القداح، كانوا يستقسمون بها. قال: وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال عمر: (اللهم بين لنا في الخمر!) فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) [النساء: 43]، فقال: اللهم بين لنا في الخمر! فنزلت: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)، فقال: (اللهم بين لنا في الخمر!) فنزلت: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) [المائدة: 90] إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) [المائدة: 91] فقال عمر: (انتهينا إنها تذهب المال وتذهب العقل). قال: وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا المغيرة عن أبي رزين قال: شربت الخمر بعد الآية التي نزلت في البقرة وبعد الآية التي في النساء، فكانوا يشربونها حتى تحضر الصلاة فإذا حضرت تركوها ثم حرمت في المائدة في قوله (فهل أنتم منتهون) [المائدة: 91]، فانتهى القوم عنها فلم يعودوا فيها.
فمن الناس من يظن أن قوله: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) لم يدل على التحريم، لأنه لو كان دالا لما شربوه، ولما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سئل عمر البيان بعده، وليس هذا كذلك عندنا، وذلك لأنه جائز أن يكونوا تأولوا في قوله: (ومنافع للناس) جواز استباحة منافعها، فإن الإثم مقصور على بعض الأحوال دون بعض، فإنما ذهبوا عن حكم الآية بالتأويل. وأما قوله (إنها لو كانت حراما لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على شربها) فإنه ليس في شئ من الأخبار علم النبي صلى الله عليه وسلم بشربها ولا إقرارهم عليه بعد علمه. وأما سؤال عمر رضي الله عنه بيانا بعد نزول هذه الآية، فلأنه كان للتأويل فيه مساغ، وقد علم هو وجه دلالتها على التحريم، ولكنه سأل بيانا يزول أخبرنا معه احتمال التأويل، فأنزل الله تعالى:
(إنما الخمر والميسر) [المائدة: 90] الآية.
ولم يختلف أهل النقل في أن الخمر قد كانت مباحة في أول الاسلام، وأن المسلمين قد كانوا يشربونها بالمدينة ويتبايعون بها مع علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وإقرارهم عليه، إلى أن حرمها الله تعالى. فمن الناس من يقول: إن تحريمها على الإطلاق إنما ورد في قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) إلى قوله (فهل أنتم منتهون) [المائدة: 91]، وقد كانت محرمة قبل ذلك في بعض الأحوال، وهي أوقات الصلاة، بقوله: (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) [النساء: 43]