القرية الظالم أهلها) [النساء: 75] فاسم القرية فيها حقيقة، وإنما أراد البنيان. ثم قوله:
(اسئل القرية التي كنا فيها (يوسف: 82] مجاز، لأنه لم يرد بها ما وضع اللفظ له حقيقة، وإنما أراد أهلها. وتنفصل الحقيقة من المجاز بأن ما لزم مسمياته فلم ينتف عنه بحال فهو حقيقة فيه، وما جاز انتفاؤه عن مسمياته فهو مجاز، ألا ترى أنك إذا قلت (إنه ليس للحائط إرادة) كنت صادقا، ولو قال قائل (إن الله لا يريد شيئا، أو الانسان العاقل ليست له إرادة) كان مبطلا في قوله؟ وكذلك جائز أن تقول (إن العصير ليس بخمر) وغير جائز أن يقال (إن الني المشتد من ماء العنب ليس بخمر) ونظائر ذلك كثيرة في اللغة والشرع. والأسماء الشرعية في معنى أسماء المجاز لا تتعدى بها مواضعها التي سميت بها، فلما وجدنا اسم الخمر قد ينتفي عن سائر الأشربة سوى الني المشتد من ماء العنب، علمنا أنها ليست بخمر في الحقيقة.
والدليل على جواز انتفاء اسم الخمر عما وصفنا، حديث أبي سعيد الخدري قال:
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال: (أشربت خمرا؟) فقال: والله ما شربتها منذ حرمها الله ورسوله! قال: (فماذا شربت؟) قال: شربت الخليطين، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين يومئذ، فنفى اسم الخمر عن الخليطين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره عليه ولم ينكره، فدل ذلك على أنه ليس بخمر، وقال ابن عمر: (حرمت الخمر وما بالمدينة يومئذ منها شئ) فنفى اسم الخمر عن أشربة تمر النخل مع وجودها عندهم يومئذ. ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(الخمر من هاتين الشجرتين) وهو أصح إسنادا من الأخبار التي ذكر فيما أن الخمر من خمسة أشياء، فنفى بذلك أن يكون ما خرج من غيرهما خمرا، إذ كان قوله: (الخمر من هاتين الشجرتين) اسما للجنس مستوعبا لجميع ما يسمى بهذا الاسم، فهذا الخبر معارض ما روي من أن الخمر من خمسة أشياء، وهو أصح إسنادا منه. ويدل عليه أنه لا خلاف أن مستحل الخمر كافر وأن مستحل هذه الأشربة لا تلحقه سمة الفسق، فكيف بأن يكون كافرا! فدل ذلك على أنها ليست بخمر في الحقيقة. ويدل عليه أن خل هذه الأشربة لا يسمى خل خمر، وأن خل الخمر هو الخل المستحيل من ماء العنب الني المشتد، فإذا ثبت بما ذكرنا انتفاء اسم الخمر عن هذه الأشربة، ثبت أنه ليس باسم لها في الحقيقة، وأنه إن ثبت تسميتها باسم الخمر في حال فهو على جهة التشبيه بها عند وجود السكر منها، فلم يجز أن يتناولها إطلاق تحريم الخمر لما وصفنا من أن أسماء المجاز لا يجوز دخولها تحت إطلاق أسماء الحقائق، فينبغي أن يكون قوله (الخمر من خمسة أشياء) محمولا على الحال التي يتولد منها السكر، فسماها باسم الخمر في تلك الحال لأنها قد عملت عمل الخمر في توليد السكر واستحقاق الحد. ويدل عليه أن هذه التسمية إنما