وأن بعض منافعها قد كان مباحا وبعضها محظورا بقوله: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس): إلى أن أتم تحريمها بقوله: (فاجتنبوه) [المائدة: 90] وقوله: (فهل أنتم منتهون) [المائدة: 91]. وقد بينا ما يقتضيه ظاهر كل واحد من حكم الآيات من حكم التحريم.
وقد اختلف فيما يتناوله اسم الخمر من الأشربة، فقال الجمهور الأعظم من الفقهاء: (اسم الخمر في الحقيقة يتناول الني المشتد من ماء العنب). وزعم فريق من أهل المدينة ومالك والشافعي أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فهو خمر. والدليل على أن اسم الخمر مخصوص بالني المشتد من ماء العنب دون غيره وأن غيره إن سمي بهذا الاسم فإنما هو محمول عليه ومشبه به على وجه المجاز، حديث أبي سعيد الخدري قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له: (أشربت خمرا؟) فقال: ما شربتها منذ حرمها الله ورسوله، قال: (فماذا شربت؟) قال: الخليطين، قال: فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين.
فنفى الشارب اسم الخمر عن الخليطين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه، ولو كان ذلك يسمى خمرا من جهة لغة أو شرع لما أقره عليه، إذ كان في نفي التسمية التي علق بها حكم نفي الحكم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على حظر مباح ولا على استباحة محظور، وفي ذلك دليل على أن اسم الخمر منتف على سائر الأشربة إلا من الني المشتد من ماء العنب، لأنه إذا كان الخليطان لا يسميان خمرا مع وجود قوة الإسكار منهما علمنا أن الاسم مقصور على ما وصفنا. ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن زكريا العلائي قال: حدثنا العباس بن بكار قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشير الغطفاني، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأشربة عام حجة الوداع، فقال: (حرام الخمر بعينها والسكر من كل شراب).
قال عبد الباقي: وحدثنا محمد بن زكريا العلائي قال: حدثنا شعيب بن واقد قال: حدثنا قيس، عن قطن، عن منذر، عن محمد ابن الحنفية، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا حسين بن إسحاق قال: حدثنا عياش بن الوليد قال: حدثنا علي بن عباس قال: حدثنا سعيد بن عمارة قال: حدثنا الحارث بن النعمان قال: سمعت أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الخمر بعينها حرام والسكر من كل شراب). وقد روى عبد الله بن شداد عن ابن عباس من قوله مثل ذلك، وروى عنه أيضا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حوى هذا الخبر معاني: منها أن اسم الخمر مخصوص بشراب بعينه دون غيره، وهو الذي لم يختلف في تسميته بها دون غيرها من ماء العنب، وأن غيرها من