لرؤيتهم في حكم العدد، فكلفوا في الحال ما أمكنهم اعتباره ولم يكلفوا مالا سبيل لهم إليه في معرفته في ذلك الوقت، فمتى يتبين لهم غيره عملوا عليه كما لو حال بينهم وبين منظره سحاب أو ضباب وشهد قوم من غيرهم أنهم قد رأوه قبل ذلك، لزمهم العمل على ما أخبرهم به دون ما كان عندهم من الحكم بعدم الرؤية.
وقد روي في ذلك حديث يحتج به المخالف في هذه المقالة، وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثني محمد بن أبي حرملة قال: أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشأم فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال:
لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يدل على ما ذكر لأنه لم يحك جواب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن هذه بعينها فأجاب به، وإنما قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويشبه أن يكون تأول فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) على ما قالوا، بل وجه دلالته على ما قلنا ظاهر على ما قدمنا فلم يصح الاحتجاج به فيما اختلفنا.
وقد ذكر عن الحسن البصري ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا عبد الله بن معاذ قال: حدثني أبي قال: حدثني الأشعث عن الحسن في رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الاثنين وشهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد قال: (لا يقضي ذلك اليوم ذلك الرجل ولا أهل مصره، إلا أن يعلموا أن أهل مصر من الأمصار قد صاموا يوم الأحد فيقضوه). وليس في هذا الخبر أنهم صاموا لرؤية أو لغيرها، ومسألتنا إنما هي في أهل بلدين صام كل واحد منهم لرؤية غير رؤية الآخرين.
وقد يحتج المخالف في ذلك بما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا حماد في حديث أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه قال: (وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف). وروى أبو خيثمة قال:
حدثنا محمد بن الحسن المدني قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون). قالوا: وهذا يوجب أن يكون صوم كل قوم يوم صاموا وفطرهم