ويشتري غيرها؟ فقال: لا! فقلت: لم؟ قال: لأن الفرض عليه أن يعتق أول رقبة يجدها، فإذا وجد رقبة لزمه الفرض فيها، وإذا لزمه الفرض في أول رقبة لم يجزه غيرها، إذا كان واجدا لها. فقلت: فإن اشترى رقبة غيرها فأعتقها وهو واجد للأولى، فقال: لا يجزيه ذلك. قلت: فإن كان عنده رقبة فوجب عليه عتق رقبة هل يجزيه أن يشتري غيرها؟ قال: لا! فقلت: لأن العتق صار عليه فيها دون غيرها؟ فقال: نعم!
فقلت: فما تقول إن ماتت هل يبطل عنه العتق كما أن من نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره؟ فقال: لا! بل عليه أن يعتق غيرها لأن هذا إجماع. فقلت: وكذلك من وجب عليه رقبة بالإجماع أن له أن يعتق غيرها. فقال: عمن تحكي هذا الاجماع؟ فقلت له: وعمن تحكي أنت الاجماع الأول؟ فقال: الاجماع لا يحكى. فقلت: والإجماع الثاني أيضا لا يحكى. وانقطع.
قال أبو بكر: وجميع ما قاله داود من تعيين فرض القضاء باليوم الثاني من شوال وأن من وجب عليه رقبة فوجدها أنه لا يتعداها إلى غيرها، خلاف إجماع المسلمين كلهم، وما ادعاه على أهل العلم بأنهم يجعلونه مفرطا إذا مات وقد أخره عن اليوم الثاني فليس كما ادعى، فإن من جعل له التأخير إلى آخر السنة لا يجعله مفرطا بالموت، لأن السنة كلها إلى أن يجئ رمضان ثان وقت القضاء موسع له في التأخير كوقت الصلاة أنه لما كان موسعا عليه في التأخير من أوله إلى آخره لم يكن مفرطا بتأخيره إن مات قبل مضي الوقت، فكذلك يقولون في قضاء رمضان.
فإن قيل: لو لم يكن مفرطا لما لزمته الفدية إذا مات قبل مضي السنة ولم يقضه.
قيل له: ليس لزوم الفدية علما للتفريط، لأن الشيخ الكبير يلزمه الفدية مع عدم التفريط، وقول داود (الاجماع لا يحكى) خطأ، فإن الاجماع يحكى كما تحكى النصوص، وكما يحكي الاختلاف، فإن أراد بذلك أن كل واحد من المجمعين لا يحتاج إلى حكاية أقاويلهم بعد أن ينشر القول عن جماعة منهم وهم حضور يسمعون ولا يخالفون، فإن ذلك على ما قال، ومع ذلك لا يجوز إطلاق القول بأن الاجماع لا يحكى لأن من الاجماع ما يحكى فيه أقاويل جماعتهم فيكون ما يحكيه من إجماعهم حكاية صحيحة، ومنه ما يحكي أقاويل جماعة منهم منتشرة مستفيضة مع سماع الآخرين لها وترك إظهار المخالفة، فهذا أيضا إجماع يحكى، إذ كان ترك الآخرين إظهار النكير والمخالفة قائما مقام الموافقة، فهذان الضربان من إجماع الخاصة والفقهاء يحكيان جميعا، وإجماع آخر، وهو ما تشترك فيه الخاصة والعامة كإجماعهم على تحريم الزنا والربا ووجوب الاغتسال من الجنابة والصلوات الخمس ونحوها، فهذه أمور قد علم