يوم أفطروا، وهذا قد يجوز أن يريد به ما لم يتبين غيره، ومع ذلك فلم يخصص به أهل بلد دون غيرهم، فإن وجب أن يعتبر صوم من صام الأقل فيما لزمهم فهو موجب صوم من صام الأكثر، فيكون ذلك صوما للجميع ويلزم من صام الأقل قضاء يوم. وقد اختلف مع ذلك في صحة هذا الخبر من طريق النقل، فثبته بعضهم ولم يثبته الآخرون. وقد تكلم أيضا في معناه، فقال قائلون: (معناه أن الجميع إذا اتفقوا على صوم يوم فهو صومهم وإذا اختلفوا احتاجوا إلى دلالة من غيره، لأنه لم يقل صومكم يوم يصوم بعضكم وإنما قال صومكم يوم تصومون، وذلك يقتضي صوم الجميع). وقال آخرون: (هذا خطاب لكل واحد في نفسه وإخبار بأنه متعبد بما عنده دون ما هو عند غيره، فمن صام يوما على أنه من رمضان فقد أدى ما كلف وليس عليه مما عند غيره شئ، لأن الله تعالى إنما كلفه بما عنده لا بما عند غيره ولم يكلفه المغيب عند الله أيضا).
قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال أبو بكر: روي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك أن اليسر الإفطار في السفر والعسر الصوم فيه وفي المرض. ويحتمل ما ذكر من الإفطار في السفر لمن يجهده الصوم ويضره، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرجل الذي ظلل عليه في السفر وهو صائم: (ليس من البر الصيام في السفر) فأفادت الآية أن الله يريد منكم من الصوم ما تيسر لا ما تعسر وشق، لأنه صلى الله عليه وسلم قد صام في السفر وأباح الصوم فيه لمن لا يضره، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متبعا لأمر الله عاملا بما يريده الله منه، فدل ذلك على أن قوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) غير ناف لجواز الصوم في السفر بل هو دال على أنه إن كان يضره فالله سبحانه غير مريد منه ذلك وأنه مكروه له. ويدل على أن من صام في السفر أجزأه ولا قضاء عليه، لأن في إيجاب القضاء إثبات العسر ولأن لفظ اليسر يقتضي التخيير كما روي عن ابن عباس، وإذا كان مخيرا في فعل الصوم وتركه فلا قضاء عليه. ويدل أيضا على أن المريض والحامل والمرضع وكل من خشي ضرر الصوم على نفسه أو على الصبي، فعليه أن يفطر، لأن في احتمال ضرر الصوم ومشقته ضربا من العسر، وقد نفى الله تعالى عن نفسه إرادة العسر بنا، وهو نظير ما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما).
وهذه الآية أصل في أن كل ما يضر بالإنسان ويجهده ويجلب له مرضا أو يزيد في مرضه، أنه غير مكلف به، لأن ذلك خلاف اليسر، نحو من يقدر على المشي إلى الحج ولا يجد زادا وراحلة، فقد دلت الآية أنه غير مكلف به على هذا الوجه لمخالفته اليسر.
وهو دال أيضا على أن من فرط في قضاء رمضان إلى القابل فلا فدية عليه، لما فيه من