قضاء رمضان موقتا بالسنة لما جاز له التأخير عن ثاني يوم الفطر، إذ غير جائز أن يلحقه التفريط بالتأخير من غير علم منه بآخر وقت وجوب الفرض الذي لا يجوز له تأخيره عنه، كما لا يجوز ورود العبادة بفرض مجهول عند المأمور ثم يلحقه التعنيف واللوم بتركه قبل البيان لا فرق بينهما. وإذا كان كذلك وقد علمنا أن مذهبهم جواز تأخير قضاء رمضان عن أول أوقات إمكان قضائه، ثبت أن تأخيره موقت بمضي السنة، فكان ذلك بمنزلة وقت الظهر لما كان أوله وآخره معلومين جاز ورود العبادة بفعلها من أوله إلى آخره وجاز تأخيرها إلى الوقت الذي يخاف فوتها بتركها، لأن آخر وقتها الذي يكون مفرطا بتأخيرها معلوم.
وقد روي جواز تأخيره في السنة عن جماعة من السلف، وروى يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: (إن كان ليكون علي الصوم من شهر رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان). وروي عن عمر وأبي هريرة قالا: (لا بأس بقضاء رمضان في العشر) وكذلك عن سعيد بن جبير. وقال عطاء وطاوس ومجاهد: (اقض رمضان متى شئت). فهؤلاء السلف قد اتفقوا على جواز تأخيره عن أول أوقات إمكان قضائه.
وقد اختلف الفقهاء فيمن أخر القضاء حتى حضر رمضان آخر، فقال أصحابنا جميعا: (يصوم الثاني عن نفسه ثم يقضي الأول ولا فدية عليه). وقال مالك والثوري والشافعي والحسن بن صالح: (إن فرط في قضاء الأول أطعم مع القضاء كل يوم مسكينا). وقال الثوري والحسن بن حي: (لكل يوم نصف صاع بر). وقال مالك والشافعي: (كل يوم مدا، وإن لم يفرط بمرض أو سفر فلا إطعام عليه). وقال الأوزاعي:
(إذا فرط في قضاء الأول ومرض في الآخر حتى انقضى ثم مات فإنه يطعم عن الأول لكل يوم مدين، مدا لتضييعه، ومدا للصيام، ويطعم عن الآخر مدا لكل يوم). واتفق من تقدم ذكر قوله قبل الأوزاعي أنه إذا مرض في رمضان ثم مات قبل أن يصح أنه لا يجب أن يطعم عنه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الضبي قال: حدثنا قيس عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى بأسا بقضاء رمضان في ذي الحجة). وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا يحيى بن إسحاق قال: حدثنا ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن أبي تميم الجيشاني قال: (جمعنا المجلس بطرابلس ومعنا هبيب بن معقل الغفاري وعمرو بن العاص صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو: أفصل