النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ووقف الكافة عليه، وإذا عرفته الكافة فغير جائز عليها ترك النقل والاقتصار على ما ينقله الواحد منهم بعد الواحد، لأنهم مأمورون بنقله وهم الحجة على ذلك المنقول إليهم، وغير جائز لها تضييع موضع الحجة، فعلمنا بذلك أنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف في هذه الأمور ونظائرها. وجائز أن يكون كان منه قول يحتمل المعاني فحمله الناقلون الأفراد على الوجه الذي ظنوه دون الوجه الآخر، نحو الوضوء من مس الذكر يحتمل غسل اليد على نحو قوله عليه السلام: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الإناء فإنه لا يدري أين باتت يده). وقد بينا أصل ذلك في أصول الفقه وبتضييع فيه هذا الأصل دخلت الشبهة على قوم في انتحالهم القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على رجل بعينه واستخلفه على الأمة، وإن الأمة كتمت ذلك وأخفته، فضلوا وأضلوا وردوا معظم شرائع الاسلام وادعوا فيه أشياء ليست لها حقيقة ولا ثبات لا من جهة نقل الجماعات ولا من جهة نقل الآحاد، وطرقوا للملحدين أن يدعوا في الشريعة ما ليس منها، وسهلوا للإسماعيلية والزنادقة السبيل إلى استدعاء الضعفة والأغمار إلى أمر مكتوم زعموا حين أجابوهم إلى تجويز كتمان الإمامة مع عظمها في النفوس وموقعها من القلوب، فحين سمحت نفوسهم بالإجابة إلى ذلك وضعوا لهم شرائع زعموا أنها من المكتوم، وتأولوها تأويلات زعموا أن ذلك تأويل الإمام، فسلخوهم من الاسلام وأدخلوهم في مذهب الخرمية في حال والصابئين في أخرى على حسب ما صادفوا من قبول المستجيبين لهم وسماحة أنفسهم بالتسليم لهم ما ادعوه. وقد علمنا أن مجوز كتمان ذلك لا يمكنه إثبات نبوة النبي عليه السلام ولا تصحيح معجزاته وكذلك سائر الأنبياء، لأن مثله مع كثرة عددهم واختلاف هممهم وتباعد أوطانهم إذا جاز عليهم كتمان أمر الإمامة فجائز عليهم أيضا التواطؤ على الكذب، إذ كان ما يجوز فيه التواطؤ على الكتمان فجائز فيه التواطؤ على وضع خبر لا أصل له، فيوجب ذلك أن لا نأمن أن يكون المخبرون بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم كانوا متواطئين على ذلك كاذبين فيه كما تواطؤوا على كتمان النص على الإمام. ومن جهة أخرى أن الناقلين لمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين زعمت هذه الفرقة الضالة أنها كفرت وارتدت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بكتمانها أمر الإمام، وأن الذين لم يرتدوا منهم كانوا خمسة أو ستة، وخبر هذا القدر من العدد لا يوجب العلم ولا تثبت به معجزة، وخبر الجم الغفير والجمهور الكثير منهم غير مقبول عندم لجواز اجتماعهم عندهم على الكذب، فصار صحة النقل مقصورة على العدد اليسير، فلزمهم دفع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال نبوته.
فإن قيل: أمر الأذان والإقامة ورفع اليدين في تكبير الركوع وتكبيرات العيدين وأيام