خلاف أن الحمل والرضاع لا يبيحان قصر الصلاة. ووجه دلالته على ما ذكرنا اخباره عليه السلام بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر، ألا ترى أن وضع الصوم الذي جعله من حكم المسافر هو بعينه جعله من حكم المرضع والحامل لأنه عطفهما عليه من غير استئناف ذكر شئ غيره؟ فثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما، ومعلوم أن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار من غير فدية، فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع. وفيه دلالة على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، إذ لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. وأيضا لما كانت الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء وإنما أبيح لهم الإفطار للخوف على النفس أو الولد مع إمكان القضاء، وجب أن تكونا كالمريض والمسافر، فإن احتج القائلون بإيجاب القضاء والفدية بظاهر قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) لم يصح لهم وجه الدلالة منه على ما ادعوه، وذلك لما روينا عن جماعة من الصحابة الذين قدمنا ذكرهم أن ذلك كان فرض المقيم الصحيح، وأنه كان مخيرا بين الصيام والفدية، وبينا أن ما جرى مجرى ذلك فليس القول فيه من طريق الرأي وإنما يكون توقيفا، فالحامل والمرضع لم يجر لهما ذكر فيما حكوا، فوجب أن يكون تأويلهما محمولا على ما ذكرنا. وقد ثبت نسخ ذلك بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ومن جهة أخرى لا يصح الاحتجاج لهم به، وهو قوله تعالى في سياق الخطاب (وأن تصوموا خير لكم) ومعلوم أن ذلك خطاب لمن تضمنه أول الآية، وليس ذلك حكم الحامل والمرضع لأنهما إذا خافتا الضرر لم يكن الصوم خيرا لهما عليهما فعله وإن لم تخشيا ضررا على أنفسهما أو ولديهما، فغير جائز لهما الإفطار، وفي ذلك دليل واضح على أنهما لم ترادا بالآية. ويدل على بطلان قول من تأول الآية على الحامل والمرضع من القائلين بإيجاب الفدية والقضاء أن الله تعالى سمى هذا الطعام فدية، والفدية ما قام مقام الشئ وأجزأ عنه، فغير جائز على هذا الوضع اجتماع القضاء والفدية لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك فلا يكون الإطعام فدية، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء لأن الفدية قد أجزأت عنه وقامت مقامه.
فإن قيل: ما الذي يمنع أن يكون القضاء والإطعام قائمين مقام المتروك؟ قيل له:
لو كان مجموعهما قائمين مقام المتروك من الصوم لكان الإطعام بعض الفدية ولم يكن جميعها، والله تعالى قد سمى ذلك فدية، وتأويلك يؤدي إلى خلاف مقتضى الآية. وأيضا إذا كان الأصل المبيح للحامل والمرضع الإفطار والموجب عليهما الفدية هو قوله تعالى:
(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وقد ذكر السلف الذين قدمنا قولهم إن الواجب