زائل عنهما جميعا، فوجب أن لا يلزمه القضاء بالإغماء، قيل له: الإغماء وإن منع الخطاب بالصوم في حال وجوده فإن له أصلا آخر في إيجاب القضاء، وهو قوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وإطلاق اسم المريض على المغمى عليه جائز سائغ، فوجب اعتبار عمومه في إيجاب القضاء عليه وإن لم يكن مخاطبا به حال الإغماء، وأما المجنون فلا يتناوله اسم المريض على الإطلاق فلم يدخل فيمن أوجب الله عليه القضاء. وأما من أفاق من جنونه في شئ من الشهر، فإنما ألزموه القضاء بقوله:
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا قد شهد الشهر، إذ كان من أهل التكليف في جزء منه، إذ لا يخلو قوله: (فمن شهد منكم الشهر) أن يكون المراد به شهود جميع الشهر أو شهود جزء منه، وغير جائز أن يكون شرط لزوم الصوم شهود الشهر جميعه من وجهين، (أحدهما): تناقض اللفظ به، وذلك لأنه لا يكون شاهدا لجميع الشهر إلا بعد مضيه كله، ويستحيل أن يكون مضيه شرطا للزوم صومه كله، لأن الماضي من الوقت يستحيل فعل الصوم فيه، فعلمنا أنه لم يرد شهود الشهر جميعه. والوجه الآخر: أنه لا خلاف أن من طرئ عليه شهر رمضان وهو من أهل التكليف أن عليه الصوم في أول يوم منه لشهوده جزء طرأ من الشهر، فثبت بذلك أن شرط تكليف صوم الشهر كونه من أهل التكليف في شئ منه فإن قيل: فواجب إذا كان ذلك على ما وصفت من أن المراد إدراك جزء من الشهر أن لا يلزمه إلا صوم الجزء الذي أدركه دون غيره، إذ قد ثبت أن المراد شهود بعض الشهر شرطا للزوم الصوم، فيكون تقديره: فمن شهد بعض الشهر فليصم ذلك البعض.
قيل له: ليس ذلك على ما ظننت، من قبل أنه لولا قيام الدلالة على أن شرط لزوم الصوم شهود بعض الشهر لكان الذي يقتضيه ظاهر اللفظ استغراق الشهر كله في شرط اللزوم، فلما قامت الدلالة على أن المراد البعض دون الجميع في شرط اللزوم حملناه عليه وبقي حكم اللفظ في إيجاب الجميع إذ كان الشهر اسما لجميعه، فكان تقديره:
فمن شهد منكم شيئا من الشهر فليصم جميعه.
فإن قيل: فإذا أفاق وقد بقيت أيام من الشهر، يلزمك أن لا توجب عليه قضاء ما مضى لاستحالة تكليفه صوم الماضي من الأيام، وينبغي أن يكون الوجوب منصرفا إلى ما بقي من الشهر قيل له: إنما يلزمه قضاء الأيام الماضية لا صومها بعينها، وجائز لزوم القضاء مع امتناع خطابه بالصوم فيما أمر به من القضاء، ألا ترى أن الناسي والمغمى عليه والنائم كل واحد من هؤلاء يستحيل خطابه بفعل الصوم في هذه الأحوال ولم تكن استحالة تكليفهم فيها مانعة من لزوم القضاء؟ وكذلك ناسي الصلاة والنائم عنها، فإن