النبي صلى الله عليه وسلم: ولما عضده قول الأكثرين عدادا من الصحابة والتابعين، وما دل عليه من النظر.
وقوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه) قد اختلف في ضمير كنايته، فقال قائلون:
(هو عائد على الصوم) وقال آخرون: (إلى الفدية). والأول أصح، لأن مظهره قد تقدم والفدية لم يجر لها ذكر، والضمير إنما يكون لمظهر متقدم. ومن جهة أخرى أن الفدية مؤنثة والضمير في الآية للمذكر في قوله: (يطيقونه). وقد دل ذلك على بطلان قول المجبرة القائلين بأن الله يكلف عباده مالا يطيقون، وأنهم غير قادرين على الفعل قبل وقوعه ولا مطيقين له لأن الله قد نص على أنه مطيق له قبل أن يفعله بقوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية) فوصفه بالإطاقة مع تركه للصوم والعدول عنه إلى الفدية، ودلالة اللفظ قائمة على ذلك أيضا إذا كان الضمير هو الفدية لأنه جعله مطيقا لها وإن لم يفعلها وعدل إلى الصوم. وقوله عز وجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) يدل على بطلان مذهب المجبرة في قولهم (إن الله لم يهد الكفار) لأنه قد أخبر في هذه الآية إن القرآن هدى لجميع المكلفين، كما قال في آية أخرى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) [فصلت: 17].
وقوله تعالى: (فمن تطوع خيرا فهو خير له) يجوز أن يكون ابتداء كلام غير متعلق بما قبله، لأنه قائم بنفسه في إيجاب الفائدة يصح ابتداء الخطاب به، فيكون حثا على التطوع بالطاعات. وجائز أن يريد به التطوع بزيادة طعام الفدية، لأن المقدار المفروض منه نصف صاع، فإن تطوع بصاع أو صاعين فهو خير له. وقد روي هذا المعنى عن قيس بن السائب، أنه كبر فلم يقدر على الصوم فقال: (يطعم عن كل انسان لكل يوم مدين فأطعموا عني ثلاثا). وغير جائز أن يكون المراد أحد ما وقع عليه التخيير فيه من الصيام أو الإطعام، لأن كل واحد منهما إذا فعله منفردا فهو فرض لا تطوع فيه، فلم يجز أن يكون واحد منهما مراد الآية. وجائز أن يكون المراد الجمع بين الصيام والطعام فيكون الفرد أحدهما والآخر التطوع.
وأما قوله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم) فإنه يدل على أن أول الآية فيمن يطيق الصوم من الأصحاء المقيمين غير المرضى ولا المسافرين ولا الحامل والمرضع، وذلك لأن المريض الذي يباح له الإفطار هو الذي يخاف ضرر الصوم، وليس الصوم بخير لمن كان هذا حاله، لأنه منهي عن تعريض نفسه للتلف بالصوم، والحامل والمرضع لا تخلوان مع من أن يضر بهما الصوم أو بولديهما، وأيهما كان فالإفطار خير لهما والصوم محظور عليهما. وإن كان لا يضر بهما ولا بولديهما فعليهما الصوم وغير جائز لهما