محال لا يجوز ورود العبادة به، فعلمنا أن الصوم الشرعي ينبغي أن يكون مخصوصا بضرب من الإمساك دون جميع ضروبه، فالضرب الذي حصل عليه اتفاق المسلمين هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وشرط فيه عامة فقهاء الأمصار مع ذلك الإمساك عن الحقنة والسعوط والاستقاء عمدا إذا ملأ الفم، ومن الناس من لا يوجب في الحقنة والسعوط قضاء، وهو قول شاذ والجمهور على خلافه، وكذلك الاستقاء. وروي عن ابن عباس أنه قال: (الفطر مما دخل وليس مما خرج) وهو قول طاوس وعكرمة، وفقهاء الأمصار على خلافه، لأنهم يوجبون على من استقاء عمدا القضاء، واختلفوا فيما وصل إلى الجوف من جراحة جائفة أو آمة، فقال أبو حنيفة والشافعي: (عليه القضاء) وقال أبو يوسف ومحمد: (لا قضاء عليه) وهو قول الحسن بن صالح. وقد اختلف في ترك الحجامة هل هو من الصوم؟ فقال عامة الفقهاء: (الحجامة لا تفطره)، وقال الأوزاعي:
(تفطره). واختلف أيضا في بلع الحصاة، فقال أصحابنا ومالك والشافعي: (تفطره)، وقال الحسن بن صالح: (لا تفطره). واختلفوا في الصائم يكون بين أسنانه شئ فيأكله متعمدا، فقال أصحابنا ومالك والشافعي: (لا قضاء عليه)، وروى الحسن بن زياد عن زفر أنه قال: (إذا كان بين أسنانه شئ من لحم أو سويق وخبز فجاء على لسانه منه شئ فابتلعه وهو ذاكر فعليه القضاء والكفارة)، قال: وقال أبو يوسف: (عليه القضاء ولا كفارة عليه)، وقال الثوري: (استحب له أن يقضي)، وقال الحسن بن صالح: (إذا دخل الذباب جوفه فعليه القضاء). وقال أصحابنا ومالك: (لا قضاء عليه). ولا خلاف بين المسلمين أن الحيض يمنع صحة الصوم، واختلفوا في الجنب، فقال عامة فقهاء الأمصار: (لا قضاء عليه وصومه تام مع الجنابة)، وقال الحسن بن حي: (مستحب له أن يقضي ذلك اليوم) وكان يقول: (يصوم تطوعا وإن أصبح جنبا)، وقال في الحائض: (إذا طهرت من الليل ولم تغتسل حتى أصبحت فعليها قضاء ذلك اليوم).
فهذه أمور منها متفق عليه في أن الإمساك عنه صوم، ومنها مختلف فيه على ما بينا. فالمتفق عليه هو الإمساك عن الجماع والأكل والشرب في المأكول والمشروب، والأصل فيه قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) [البقرة: 187] إلى قوله (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) [البقرة: 187]: فأباح الجماع والأكل والشرب في ليالي الصوم من أولها إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل. وفي فحوى هذا الكلام ومضمونه حظر ما أباحه بالليل مما قدم ذكره من الجماع والأكل والشرب، فثبت بحكم الآية أن الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة هو من