كان أحد شيئين من فدية أو صيام لا على وجه الجمع، فكيف يجوز الاستدلال به على إيجاب الجمع بينهما على الحامل والمرضع؟ ومن جهة أخرى أنه معلوم أن في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) حذف الإفطار، كأنه قال: وعلى الذين يطيقونه إذا أفطروا فدية طعام مسكين. فإذا كان الله تعالى إنما اقتصر بالإيجاب على ذكر الفدية فغير جائز إيجاب غيرها معها لما فيه من الزيادة في النص، وغير جائز الزيادة في المنصوص إلا بنص مثله، وليستا كالشيخ الكبير الذي لا يرجى له الصوم لأنه مأيوس من صومه فلا قضاء عليه والاطعام الذي يلزمه فدية له إذ هو بنفسه قائم مقام المتروك من صومه والحامل والمرضع يرجى لهما القضاء فهما كالمريض والمسافر. وإنما يسوغ الاحتجاج بظاهر الآية لابن عباس لاقتصاره على إيجاب الفدية دون القضاء، ومع ذلك فإن الحامل والمرضع إذا كانتا إنما تخافان على ولديهما دون أنفسهما فهما تطيقان الصوم فيتناولهما ظاهر قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وكذلك قال ابن عباس، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال:
حدثنا أبان قال: حدثنا قتادة، أن عكرمة حدثه، أن ابن عباس حدثه في قوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال: (أثبتت للحامل والمرضع). وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال: (كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا).
فاحتج ابن عباس بظاهر الآية وأوجب الفدية دون القضاء عند خوفهما على ولديهما، إذ هما تطيقان الصوم فشملهما حكم الآية.
قال أبو بكر: ومن أبى ذلك من الفقهاء ذهب إلى أن ابن عباس وغيره ذكروا أن ذلك كان حكم سائر المطيقين للصوم في إيجاب التخيير بين الصوم والفدية، وهو لا محالة قد يتناول الرجل الصحيح المطيق للصوم، فغير جائز أن يتناول الحامل والمرضع لأنهما غير مخيرتين كل لأنهما إما أن تخافا فعليهما الإفطار بلا تخيير، أو لا تخافا فعليهما الصيام بلا تخيير. وغير جائز أن تتناول الآية فريقين بحكم يقتضي ظاهرها إيجاب الفدية ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام وفي الفريق الآخر إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير أو الفدية بلا تخيير، وقد تناولهما لفظ الآية على وجه واحد فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل والمرضع. ويدل عليه أيضا في نسق التلاوة: (وأن تصوموا خير لكم) وليس ذلك بحكم الحامل والمرضع إذا خافتا