الذين يطوقونه) وإنه الشيخ الكبير، فلولا أن الآية محتملة لذلك لما تأولها ابن عباس ومن ذكر ذلك عنه عليه، فوجب استعمال حكمها من إيجاب الفدية في الشيخ الكبير. وقد روى عن علي أيضا أنه تأول قوله: (وعلى الذين يطيقونه) على الشيخ الكبير. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم فليطعم يكون عنه وليه مكان كل يوم مسكينا) وإذا ثبت ذلك في الميت الذي عليه الصيام فالشيخ أولى بذلك من الميت لعجز الجميع عن الصوم.
فإن قيل: هلا كان الشيخ كالمريض الذي يفطر في رمضان ثم لا يبرأ حتى يموت ولا يلزمه القضاء؟ قيل له: لأن المريض مخاطب بقضائه في أيام أخر فإنما تعلق الفرض عليه في أيام القضاء، لقوله: (فعدة من أيام أخر) فمتى لم يلحق العدة لم يلزمه شئ، كمن لم يلحق رمضان. وأما الشيخ فلا يرجى له القضاء في أيام أخر فإنما تعلق عليه حكم الفرض في إيجاب الفدية في الحال، فاختلفا من أجل ذلك. وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم، فصار ذلك إجماعا لا يسمع خلافه. وأما الوجه في إيجاب الفدية نصف صاع من بر فهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أخو خطاف قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد المستملي قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن شريك، عن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه رمضان فلم يقضه فليطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع لمسكين). وإذا ثبت ذلك في المفطر في رمضان إذا مات ثبت في الشيخ الكبير من وجوه أحدها: إنه عموم في الشيخ الكبير وغيره، لأن الشيخ الكبير قد تعلق عليه حكم التكليف على ما وصفنا، فجائز بعد موته أن يقال أنه قد مات وعليه صيام رمضان، فقد تناوله عموم اللفظ. ومن جهة أخرى: أنه قد ثبت أن المراد بالفدية المذكورة في الآية هذا المقدار، وقد أريد بها الشيخ الكبير، فوجب أن يكون ذلك هو المقدار الواجب عليه. ومن جهة أخرى: أنه إذا ثبت ذلك فيمن مات وعليه قضاء رمضان وجب أن يكون ذلك مقدار فدية الشيخ الكبير، لأن أحدا من موجبي الفدية على الشيخ الكبير لم يفرق بينهما. وقد روي عن ابن عباس وقيس ابن السائب، الذي كان شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وعائشة وأبي هريرة وسعيد بن المسيب في الشيخ الكبير (أنه يطعم عن كل يوم نصف صاع بر). وأوجب النبي صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع بر. وهذا يدل على أن تقدير فدية الصوم بنصف صاع أولى منه بالمد، لأن التخيير في الأصل قد تعلق بين الصوم والفدية في كل واحد منهما.
وقد روي عن ابن عمر وجماعة من التابعين (عن كل يوم مد) والأول أولى لما رويناه عن