الآخرة، وإن ترك الورثة قضاءه بعد موته لا يلحقه تبعة ولا إثم وإن إثمه على من بدله دون من أوصى به.
وفيه الدلالة على أن من كان عليه زكاة ماله فمات ولم يوص به أنه قد صار مفرطا مانعا مستحقا لحكم مانعي الزكاة، لأنها لو كانت قد تحولت في المال حسب تحول الديون لكان بمنزلة من أوصى بها عند الموت فينجو من مأثمها، ويكون حينئذ المبدل لها مستحقا لمأثمها. سنة وكذلك حكى الله تعالى عن مانع الزكاة عند الموت سؤال الرجعة في قوله: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) [المنافقون: 10] فأخبر بحصول التفريط وفوات الأداء، إذ لو كان الأداء باقيا على الوارث أو الوصي من ميراث الميت لكانوا هم المستحقين للوم والتعنيف في تركه وكان الميت خارجا عن حكم التفريط، فدل ذلك على صحة ما وصفنا من امتناع وجوب أداء زكاته من ميراثه من غير وصية منه به.
فإن قيل: هل يفترق حكم الموصي عند الله في حال تنفيذ وصيته أو تبديلها، وهل يكون ما يستحقه من الثواب في الحالين سواء؟ قيل له: أن وصية الموصي قد تضمنت شيئين، أحدهما: استحقاقه الثواب على الله بوصيته، والآخر: أن وصول ذلك إلى الموصى له يستوجب منه الشكر لله والدعاء للموصي، وذلك لا يكون ثوابا للموصي ولكن الموصي يصل عليه من دعاء الموصى له وشكره لله تعالى جزاء له لا للموصي، فينتفع الموصي بذلك من وجهين إذا أنفذت الوصية، ومتى لم تنفذ كان نفعه مقصورا على الثواب الذي استحقه بوصية دون غيرها.
فإن قيل: فمن كان عليه دين فلم يوص بقضائه وقضاه الورثة هل يبرأ الميت من تبعته؟ قيل له: امتناعه من قضاء الدين قد تضمن شيئين، أحدهما: حق الله تعالى، والآخر: حق الآدمي، فإذا استوفى الآدمي حقه فقد برئ من تبعته وبقي من حق الآدمي ما أدخل عليه من الظلم والضرر بتأخيره، فإذا لم يتب منه كان مؤاخذا به في الآخرة وبقي حق الله وهو الظلم الواقع منه في حياته لم تكن توبة منه فيه، فهو مؤاخذ به فيما بينه وبين الله تعالى، ألا ترى أن من غصب من رجل مالا وأصر على منعه كان مكتسبا بذلك المأثم من وجهين، أحدهما: حق الله بارتكاب نهيه، والآخر: حق الآدمي بظلمه له وإضراره به؟ فلو أن الآدمي أخذ حقه منه من غير إرادة الغاصب لذلك لكان قد برئ من حقه وبقي حق الله يحتاج إلى التوبة منه، فإذا مات غير تائب كانت تبعته باقية عليه لاحقة به.
وقوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) إنما هو فيمن بدل ذلك إذا وقع على وجه الصحة والجواز والعدل، فأما إذا كانت الوصية جورا