لوارث من غير ذكر إجازة الورثة هي محمولة على أن الورثة لم يجيزوها. ويدل أيضا على أن إجازة الورثة هي محمولة على أن إجازتهم معتبرة بعد الموت، لأنهم في حال حياته ليسوا بورثة وإنما تحصل لهم هذه السمة بعد موت المورث، فمتى أجاز وليس بوارث فإجازته باطلة لعموم قوله: (لا وصية لوارث) ودل على أن الورثة متى أجازت الوصية لم يكن ذلك هبة مستأنفة من جهتهم فتحمل على أحكام الهبات في شرط القبض والتسليم ونفي الشيوع فيما يقسم والرجوع فيها، بل تكون محمولة على أحكام الوصايا الجائرة دون الهبات من قبل مجيزيها من الورثة. ودل أيضا على جواز العقود الموقوفة التي لها مجيز، ض لأن الميت عقد الوصية على مال هو للوارث في حال وقوع الوصية، وجعلها النبي عليه السلام موقوفة على إجازة الوارث، فصار ذلك أصلا فيمن عقد عقد بيع أو عتق أو هبة أو رهن أو إجارة على مال الغير أنه يقف على إجازة مالكه إذ كان عقدا له مالك يملك ابتداءه وإيقاعه. وقد دل أيضا على أنه إذا أوصى بأكثر من الثلث كانت موقوفة على إجازة الورثة، كما وقفها النبي عليه السلام على إجازتهم إذا أوصى بها لوارث. فهذه المعاني كلها في ضمن قوله عليه السلام: (لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة) وقد اختلف الفقهاء فيمن أوصى بأكثر من الثلث فأجازه الورثة قبل الموت، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن: (إذا أجازوه في حياته لم يجز ذلك حتى يجيزوه بعد الموت) وروي نحو ذلك عن عبد الله بن مسعود وشريح وإبراهيم. وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: (ليس لهم أن يرجعوا فيه بعد الموت وهي جائزة عليهم). وقال ابن القاسم عن مالك: (إذا استأذنهم فكل وارث بائن عن الميت، مثل الولد الذي قد بان عن أبيه والأخ وابن العم الذين ليسوا في عياله، فإنهم ليس لهم أن يرجعوا، وأما امرأته وبناته اللاتي لم يبن منه وكل من في عياله وإن كان قد احتلم فلهم أن يرجعوا، وكذلك العم وابن العم ومن خاف منهم إن لم يجز لحقه ضرر منه في قطع النفقة، إن صح، فلهم أن يرجعوا). وروى ابن وهب عن مالك (في المريض يستأذن ورثته في الوصية لبعض ورثته فأذنوا له فليس لهم أن يرجعوا في شئ من ذلك، ولو كان استأذنهم في الصحة فلهم أن يرجعوا إن شاؤوا، وإنما يجوز إذنهم في حال المرض، لأنه يحجب عن ماله بحقهم فيجوز ذلك عليهم) وقول الليث في ذلك كقول مالك. ولا خلاف بين الفقهاء أنهم إذا أجازوه بعد الموت فليس لهم أن يرجعوا فيه.
وروي عن طاوس وعطاء أنهم إذا أجازوه في الحياة جاز عليهم.
قال أبو بكر: عموم قوله عليه السلام: (لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة) ينفي