المريض إذا أصابه المرض شق عليه فيه الصيام فيبلغ منه ذلك، فله أن يفطر ويقضي)، قال مالك: (وأهل العلم يرون على الحامل إذا اشتد عليها الصيام الفطر والقضاء ويرون ذلك مرضا من الأمراض). وقال الأوزاعي: (أي مرض إذا مرض الرجل حل له الفطر، فإن لم يطق أفطر، فأما إذا أطاق وإن شق عليه فلا يفطر). وقال الشافعي: (إذا ازداد مرض المريض شدة زيادة بينة أفطر، وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر). فثبت باتفاق الفقهاء أن الرخصة في الإفطار للمريض موقوفة على زيادة المرض بالصوم، وأنه ما لم يخش الضرر فعليه أن يصوم.
ويدل على أن الرخصة في الإفطار للمريض متعلقة بخوف الضرر ما روى انس بن مالك القشيري عن النبي عليه السلام (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع) ومعلوم أن رخصتهما موقوفة على خوف الضرر على أنفسهما أو على ولديهما، فدل ذلك على أن جواز الإفطار في مثله متعلق بخوف الضرر إذ الحامل والمرضع صحيحتان لا مرض بهما، وأبيح لهما الإفطار لأجل الضرر.
وأباح الله تعالى للمسافر الإفطار، وليس للسفر حد معلوم في اللغة يفصل به بين أقله وبين ما هو دونه، فإذا كان ذلك كذلك وقد اتفقوا على أن للسفر المبيح للإفطار مقدارا معلوما في الشرع واختلفوا فيه، فقال أصحابنا: (مسيرة ثلاثة أيام ولياليها) وقال آخرون: (مسيرة يومين) وقال آخرون: (مسيرة يوم) ولم يكن للغة في ذلك حظ إذ ليس فيها حصر أقله بوقت لا يجوز النقصان منه، لأنه اسم مأخوذ من العادة، وكل ما كان حكمه مأخوذا من العادة فغير ممكن تحديده بأقل القليل، وقد قيل إن السفر مشتق من السفر الذي هو الكشف من قولهم (سفرت المرأة عن وجهها، وأسفر الصبح إذا أضاء، وسفرت الريح السحاب إذا قشعته) والمسفرة المكنسة لأنها تسفر عن الأرض بكنس التراب، وأسفر وجهه إذا أضاء وأشرق، ومنه قوله تعالى: (وجوه يومئذ مسفرة) أخبرنا [عبس: 38] يعني مشرقة مضيئة، فسمى الخروج إلى الموضع البعيد سفرا لأنه يكشف عن أخلاق المسافرة وأحواله، ومعلوم أنه إذا كان معنى السفر ما وصفنا أن ذلك لا يتبين في الوقت اليسير واليوم واليومين، لأنه قد يتصنع في الأغلب لمثل هذه المسافة فلا يظهر فيه ما يكشفه البعيد من أخلاقه، فإن اعتبر بالعادة علمنا أن المسافة القريبة لا تسمى سفرا والبعيدة تسمى، إلا أنهم اتفقوا على أن الثلاثة سفر صحيح فيما يتعلق به من أحكام الشرع، فثبت أن الثلاث سفر وما دونها لم يثبت لعدم معنى الاسم فيه وفقد التوقيف والاتفاق بتحديده. وأيضا قد روي عن النبي عليه السلام أخبار تقتضي اعتبار الثلاث في كونها سفرا في أحكام الشرع، فمنها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن تسافر