بقوله: (فمن بدله). وقوله: (فمن بدله بعد ما سمعه) يحتمل أن يريد به الشاهد على الوصية، فيكون معناه زجره عن التبديل، على نحو قوله تعالى: (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) [المائدة: 108] ويحتمل أن يريد الوصي لأنه هو المتولي لإمضائها هذه والمالك لتنفيذها، فمن أجل ذلك قد أمكنه تغييرها. ويبعد أن يكون ذلك عموما في سائر الناس، إذ لا مدخل لهم في ذلك ولا تصرف لهم فيه. وهو عندنا على المعنيين الأولين من الشاهد والوصي لاحتمال اللفظ لهما، والشاهد إذا احتيج إليه مأمور بأداء ما سمع على وجهه من غير تغيير ولا تبديل، والوصي مأمور بتنفيذها على حسب ما سمعه مما تجوز الوصية به.
ووري عن عطاء ومجاهد قالا: (هي الوصية تصيب الولي الشاهد). وقال الحسن:
(هي الوصية، من سمع الوصية ثم بدلها بعد ما سمعها فإنما إثمها على من بدلها).
قال أبو بكر: وجائز أن يكون الحاكم مرادا بذلك، لأن له فيه ولاية وتصرفا إذا رفع إليه، فيكون مأمورا بإمضائها إذا جازت في الحكم منهيا عن تبديلها، وفيها الأمر بإمضائها وتنفيذها على الحق والصدق.
وقوله: (فمن بدله بعدما سمعه) قد اقتضى جواز تنفيذ الوصي ما سمعه من وصية الموصي، كان عليها شهودا ولم تكن. وهو أصل في كل من سمع شيئا فجائز له إمضاؤه عند الإمكان على مقتضاه وموجبه من غير حكم حاكم ولا شهادة شهود، فقد دل على أن الميت متى أقر بدين لرجل بعينه عند الوصي فجائز له أن يقضيه من غير علم وارث ولا حاكم ولا غيره، لأن في تركه ذلك بعد السماع تبديلا لوصية الموصي.
وقوله: (فإنما إثمه على الذين يبدلونه) قد حوى معاني، أحدها: أنه معلوم أن ذلك عطف على الوصية المفروضة كانت للوالدين والأقربين، وهي لا محالة مضمرة فيه، لولا ذلك لم يستقم الكلام لأن قوله: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) غير مستقل بنفسه في إيجاب الفائدة لما انتظم من الكناية والضمير اللذين لا بد لهما من مظهر مذكور، وليس في الآية مظهر غير ما تقدم ذكره في أولها. وإذا كان كذلك فقد أفادت الآية سقوط الفرض عن الموصي بنفس الوصية، وأنه لا يلحقه بعد ذلك من مأثم التبديل شئ بعد موته.
وفيه دلالة على بطلان قول من أجاز تعذيب الأطفال بذنوب آبائهم، وهو نظير قوله: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164]. وقد دلت الآية أيضا على أن من كان عليه دين فأوصى بقضائه أنه قد برئ من تبعته في